الحبيب الأسود يكتب:

رسائل أردوغان تؤكد استمرار قطر في سياساتها

لا يمكن أن تكون زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى قطر، في هذا التوقيت بالذات، زيارة بروتوكولية بين دولتين حليفتين لتوقيع اتفاقيات تعاون. لم يعكس لقاء أمير قطر الشيخ تميم بن حمد والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، صورة ذلك التحالف القوي، بقدر ما عكس قلقا كما كشف مدى تبعية الدوحة لأنقرة.

أراد أردوغان أن تكون قطر أول دولة في المنطقة يزورها بعد هجوم قواته على شمال سوريا التي كان نظام الدوحة وحيدا بين العرب في دعمها علنا، فسيادة سوريا لا تعني شيئا بالنسبة للقيادة القطرية المنخرطة بكل قواها ضمن مشروع إخواني عابر للدول والقوميات، كما أن التحالف بين الدوحة وأنقرة يرتكز في جانب مهم منه على التدخل المشترك أو عبر الوكالة أو المقايضة في شؤون الدول الأخرى.

كما أراد الرئيس التركي للزيارة أن يقول إن علاقة بلاده قطر باقية وتتمدد بقطع النظر عن خلافات نظامه مع دول الخليج وعلى رأسها السعودية، وهي خلافات وصلت إلى مستوى الأزمة بعد ثبوت تورط تركيا في محاولات المساس من أمن السعودية الوطني والقومي، ومن سمعتها في المنطقة والعالم.

تحاول قطر إنكار دورها المعادي وتعتبره جزءا من سيادتها على قرارها الوطني، لكنها تتناسى أن ذلك الدور يصطدم مع مصالح دول أخرى

خلال خمس سنوات تم عقد 26 اجتماع قمة بين قطر وتركيا، لم تكن تصب في صالح العلاقات بين البلدين فقط وإنما كان جانب مهم منها يرتبط بالتنسيق المشترك منهما في التفاعل مع الوضع الإقليمي، خصوصا في مناطق يسعى الأتراك إلى بسط نفوذهم عليها بدعم قطري نظرا إلى أوضاع الفوضى التي تعرفها مثل سوريا وليبيا، أو بالتخطيط للتدخل في شؤون دول أخرى عبر دعمهما المباشر لتيارات الإسلام السياسي في اليمن ومصر والعراق.

قبل أيام كشفت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية عن احتضان تركيا عام 2014 لاجتماع بين التنظيم الدولي لجماعة الإخوان ومنظمة الحرس الثوري الإيراني ضمن إطار واحد هو العداء للسعودية، وسيكون من المستحيل التوهم بأنه لم يجر تحت عيون الاستخبارات التركية التي كانت لا تتوانى عن التخطيط للمؤامرات ضد الرياض بسبب موقفها الداعم لثورة الثلاثين من يونيو في مصر.

بعد اندلاع انتفاضات ما سمي بالربيع العربي في عام 2011، توسعت طموحات أردوغان، فقد أدرك أن الرياح تهب لفائدة قوى الإسلام السياسي وعلى رأسها جماعة الإخوان، وأن العاصفة قد تتسع لتشمل كل دول المنطقة بما فيها دول الخليج، ومن بينها السعودية.

وتحولت تركيا خلال السنوات الماضية إلى منصة معادية سياسيا وإعلاميا وثقافيا لمحور الاعتدال العربي، ولكل من يتبنّى خطاب التطرف والإرهاب ضد الدول المدافعة عن سيادتها. ووجدت شراكة كاملة في ذلك من الجانب القطري المندفع لتنفيذ أجندا تم إعدادها في سياقات دولية مختلفة.

عندما أعلنت الدول الأربع الداعية لمكافحة الإرهاب في أوائل يونيو 2017 مقاطعتها لقطر نتيجة تورطها في التآمر عليها، اتجه أردوغان للتدخل بقوة لشق الصف الخليجي بإقامة قاعدة عسكرية في الدوحة، وبإرسال قواته إليها وانحيازه إلى نظام الأمير تميم من منطلقات عقائدية وسياسية وحسابات مصلحة تصب في إطار تحصين المشروع المشترك بينهما لضرب الدول العربية.

وفي أكتوبر 2018 تم الكشف عن طبيعة العداء التركي القطري الإخواني المركّز نحو القيادة السياسية السعودية بعد حادثة مقتل الصحافي جمال خاشقجي، وكان الهدف تحريض العالم بأسره ضد المملكة لعزلها ومحاصرتها وإضعاف دورها وهز صورتها وإرباك حضورها إقليميا ودوليا.

أراد أردوغان أن تكون قطر أول دولة في المنطقة يزورها بعد هجوم قواته على شمال سوريا التي كان نظام الدوحة وحيدا بين العرب في دعمها علنا

لم يعد خافيا أن هناك مشروعا قوميا تركيا يعمل على إعادة التاريخ العثماني بأدوات الإسلام السياسي إلى جانب مشروع فارسي يطمح بدوره إلى الهيمنة المطلقة على المنطقة بآليات طائفية، وأنّ بين المشروعين تجاوب هو أقرب إلى التحالف ضد أي مشروع حضاري عربي، رغم الخلافات التي قد تظهر أحيانا حول مناطق النفوذ مثلما هو الشأن في سوريا، لكن اللافت في الأمر أن قطر منسجمة تماما مع المشروعين العثماني والصفوي مستفيدة من وضعية الصغير المتحرك بدوافع الإمكانيات المتاحة والمستعد للقيام بكل الأدوار لفائدة كل الأطراف.

تحاول قطر إنكار دورها المعادي وتعتبره جزءا من سيادتها على قرارها الوطني، لكنها تتناسى أن ذلك الدور يصطدم مع مصالح دول أخرى، بل ويعمل على ضرب تلك الدول من الداخل والخارج، والأمر ذاته بالنسبة لحليفها التركي.

قد يتفهم أي متابع للأحداث أن لتركيا هدف قومي إستراتيجي دخلت بسببه في عداء مع كل دول جوارها، لكن هل الأمر ذاته ينطبق على قطر؟ هل لقطر مشروع قومي يستحق أن تدخل معه في صراع مع جوارها ومع حاضنتها العربية؟ أم أنها اختارت لنفسها أن تكون جزءا من المشروع التركي أو ربما الإيراني؟

إن مصالحة قطر مع جيرانها تتطلب مراجعة جذرية لمواقفها في ما يتعلق بجميع القضايا والملفات المطروحة، وهو ما يبدو بعيد المنال في الوقت الحاضر، فنظام الدوحة شكّل خياراته على الصدام مع الأنظمة العربية منذ عقدين من الزمن. ولا يزال النظام القطري يسير في ذات الاتجاه