مصطفى حمزة يكتب:
الإقصاء والإرهاب
عند النظر للظاهرة الإرهابية نجدها ظاهرة معقدة بسبب تشابك وتداخل العوامل التي أدت إليها، خاصة مع تنوع هذه العوامل بين سياسية واجتماعية «سوسيولوجية» ونفسية «سيكولوجية» وعسكرية وأمنية، ولعل من أهمها وفق العديد من الدراسات عامل الإقصاء والتهميش، لاسيما بين فئة الشباب التي تعد الهدف الأساسي للتنظيمات الإرهابية، وتسعى لتجنيدهم بشتى الوسائل.
وعلى الرغم من عدم وجود اتفاق على مصطلح الإقصاء والمقصود به، فإنني أعني بشكل مبسط الحرمان بأنواعه وأشكاله المختلفة (سياسية – اجتماعية – اقتصادية) بغض النظر عن أسباب هذا الحرمان، فالإقصاء لا يرتبط فقط بالمشاركة السياسية في صنع واتخاذ القرار، وإنما يمتد ليشمل الافتقار إلى الدخل والموارد التي تضمن سبل العيش المستدامة، بل ربما يدخل في مفهوم الإقصاء كل من الجوع وسوء التغذية وتدهور الخدمات الصحية، وقلة الدخل، وانعدام فرص الحصول على التعلم، والتشرد والسكن غير الملائم، حيث يشعر المواطنون في هذه الفئات بالحرمان والتهميش والانسحاب من الحياة الاجتماعية والسياسية، مع ما يصاحب ذلك من نقمة على الدولة التي أهملتهم ولم توفر لهم فرص الحياة الكريمة؛ فيتحولون لقنبلة موقوتة قابلة للانفجار في وجه المجتمع.
ولا يقتصر الإقصاء على مستوى الحكومات والشعوب بل تضيق دائرته حتى داخل التنظيمات الإرهابية والمتطرفة ذاتها، فعلى سبيل المثال حينما يتم إقصاء عضو داخل جماعته، فإنه يكون هدفًا للجماعات المنافسة؛ فتستقطبه، ويجد بداخلها بيئة حاضنة بديلة عن البيئة الطاردة التي أقصته عن القيام بدوره، لاسيما أن أعضاء هذه التنظيمات دائمًا يبحثون عن دور سواء قيادي أو غير قيادي، وإشباع هذا الدور يضمن بقاء العضو داخل الجماعة، وهذا ما يفسر لنا سببًا من أسباب الانتقال من تنظيم لآخر في فترة التسعينيات (من الإخوان للجماعة الإسلامية والعكس) على سبيل المثال.
والعلاقة بين الإقصاء والتطرف والإرهاب علاقة طردية، إذ كلما زاد شعور الفرد بالإقصاء والتهميش زاد اتجاهه نحو تبني وجهات نظر متطرفة دينيًا وسياسيًا واجتماعيًا، كرد فعل على هذا الشعور السلبي.
وإذا نظرنا للدولة المصرية قبل 2011م نجد أن من أهم عوامل انتشار التطرف (الذي تحول إلى إرهاب بعد سقوط حكم الإخوان) أن الدولة انسحبت من الفضاء الاجتماعي أو من جزء كبير منه لصالح جماعة الإخوان وغيرها من الجماعات الدينية، التي قامت بملء هذا الفضاء مقابل انسحابها جزئيًا من الفضاء السياسي لصالح الحزب الوطني، مما أدى إلى انتماء شرائح مجتمعية إلى هذه الجماعات بسبب ما تقدمه من خدمات صحية وتعليمية واجتماعية.
يشكر للدولة المصرية أنها عملت طوال السنوات الأخيرة على احتواء وإدماج فئات متعددة كانت تصنف في السابق على أنها فئات مهمشة تعاني الإقصاء، وعلى رأسها المرأة والأقباط والمعاقون والشباب، الذين يتم تأهيلهم سياسيًا من خلال البرنامج الرئاسي لتأهيل الشباب للقيادة PLP، وتقليدهم مهام ومسؤوليات قيادية وإدارية باعتبارهم كوادر الصف الثاني والثالث، وكان آخر هذه الكوادر، 8 نواب للمحافظين من أبناء البرنامج الرئاسي، وجميعهم في عمر الزهور.
ويظل التحدي الذي يبحث عن مخرج هو كيفية إدماج الشباب المتطرف الذي قضى فترة سجنه وخرج من محبسه بعد انقضاء مدة العقوبة القانونية، ولم يطلق أفكاره المتطرفة التي تنظر إلى المجتمع بفئاته وشرائحه المختلفة نظرة إقصائية عدائية على مستوى الفكر، وإن لم تكن هذه النظرة موجودة على مستوى السلوك، أي لم يتحول تطرفه الفكري ضد مجتمعه إلى عمل إرهابي، فلابد من البحث عن وسائل لإدماج هؤلاء في مجتمعهم من جديد، ويجب على الجميع التفكير الإبداعي خارج الصندوق لخلق هذه الوسائل.
-----------------------------
*نقلًا عن الأهرام المسائي