د. علوي عمر بن فريد يكتب لـ(اليوم الثامن):

في اليمن كلنا همجيون !!

في اليمن شمالا وجنوبا كلنا همجيون باستثناء عدن فهي المدينة المسالمة ومركز الإشعاع الحضاري الوحيد في اليمن إبان الاحتلال البريطاني لها الذي استمر أكثر من 128 عاما ترسخت فيها ملامح الديمقراطية وقيم التسامح !!
بينما بقيت المناطق الجنوبية الأخرى خارج مركز الإشعاع الحضاري رغم الاتفاقيات بين السلطنات والإمارات الجنوبية التي وضعتها تحت الحماية .
إلا أن بريطانيا تركتها على حالها وتمزقها وتنمرها على بعضها البعض بينما عدن كانت مركزا حضاريا ومدينة عصرية حتى أنها أطلقت عليها "هاف لندن " وكونت فيها نظاما برلمانيا وانتخابات وصحافة حرة وتعليما مجانيا وربطته بالتعليم البريطاني , كما كانت عدن خالية من السلاح بل ولا تسمح حتى للجنوبيين بهويتها
وكان زعماء عدن يطالبون آنذاك بالاستقلال على شاكلة سنغافورة .
والحسنة الوحيدة التي قامت بها بريطانيا أنها أسست اتحاد الجنوب العربي عام 1959م وضم عدن والمحميات الغربية ولكنها لم تكمل جميلها و أبقت المحميات الشرقية خارجه لغرض في نفس يعقوب ,وكلنا يعرف خوازيق بريطانيا التي تتركها خلفها في كل مستعمراتها السابقة !!
وجاء موعد الاستقلال ولم نكن في مستواه , وتسابق الجميع على خراب مالطه ومارسوا العنصرية والقبلية والحزبية الضيقة ووزعوا الألقاب والمصطلحات السيئة ضد بعضهم البعض ودمروا وأفقروا البلاد والعباد وتبنوا الماركسية كمنهج للحكم
وكان حصاد تلك التجربة مأسويا وكارثيا ولم يكتفوا بذلك بل زجوا بالجنوب في
وحدة دمرت ما بقي من هياكل خشبية للدولة الجنوبية التي ولدت مسخا !!
وحتى لا يتهمنا البعض بالكراهية "للشمال "وأنا غير مقتنع أصلا بهذه التسمية أترك غيري يعلق على من توحدنا معهم رغم أنني لا أؤمن بالتعميم أو الأحكام المطلقة وأترك الكلام لغيري !!
جاء في مذكرات السفير العراقي في اليمن مع الجمهورية اليمنية عام 1990م بصنعاء
يقول :وجهتُ الدعوة لشخصيات يمنية من وزراء ومشايخ وكان عدد المدعوين 18 مدعوا فقط وهو العدد الذي ظننت أن غرفتي الطعام والجلوس في السفارة ستستوعبهم بشكل مريح ..كنت أنا وزوجتي حريصان على نجاح هذه الدعوة التي كانت فاتحة عملي بالسفارة لتتيح لي التعرف على مسئولين بصورة أوثق واقرب
قلنا للطباخ أن يعد للضيوف القهوة في الصالون بعد العشاء فأصر الرجل على أن العادة في صنعاء أن يسير الناس إلى بيوتهم بعد العشاء مباشرة ولكني لم اعره اهتماما وبقيت مصرا على رأيي وعندما بدأ المدعوون الحضور لاحظت أن من بينهم من لم يكن من المدعوين من قبلنا !!
وهكذا تزايد العدد حتى أصبح يفوق ال50 مدعوا فكنت أرى الشيخ الفلاني يجلس ومعه حارسه الخاص بسلاحه ومعه أقرباء آخرين وكذا المسئول الكبير !!
كما أن البعض يسأل صديقه في الطريق إلى أين ذاهب ؟
فيرد المدعو أنه ذاهب إلى السفارة العراقية فيتبرع هذا الأخير بدعوة صديقه من باب المجاملة والغباء وعندها اضطرب النظام في غرفة الطعام واضطررنا لقلب عشاء الجلوس إلى بوفيه لتدارك الأمر!!
وهكذا وجدت نفسي أمام رجال جهلاء من العصور المتخلفة استخدموا الجنبية (الخنجر) في تقطيع لحم الذبيحة وجلس بعضهم على الأرض يأكل وآخر يستل فرشاة أسنان وليس مسواك ليسلك أسنانه وهو على المائدة !!
هذا هو الخليط من البشر الذي سيطر لاحقا على دولة الوحدة ..وهذه الهمجية هي التي لا زالت تحكم اليمن ولا نبرئ منها أحد!!ّ.
د. علوي عمر بن فريد