د. علوي عمر بن فريد يكتب لـ(اليوم الثامن):
بأي لغة أرثيك يا وطني ؟؟!!
التمزق والانقسامات والخلافات البينية بين الجنوبيين وتراكمات الأحقاد وتركة الثارات والقمع والاستبداد التي خلفها الحزب الاشتراكي طوال حكمه والتي كان ختامها حرب الرفاق في 13 ينايرعام 1986م التي دمرت الدولة القمعية في الجنوب وانقسامها إلى زمرة وطغمة وهي الفرقة الناجية التي بقيت في عدن برئاسة "البيض " ودفعته للذهاب منفردا إلى الوحدة فيما دهاقنته يتحسسون رقابهم خوفا ورعبا مما اقترفته أيديهم بحق شعب الجنوب ففروا للنجاة بجلودهم إلى الاندماج مع النظام القبلي المتخلف في صنعاء الذي استخدم كل قوته العسكرية ونفوذه,ومرتزقته من "الزمرة " الجنوبيين واستخدمهم كطليعة لشن الحرب لاجتياح الجنوب واستطاع أن يفرض سلطة الأمر الواقع على الجنوبيين عام 1994م,لكن سرعان ما أتضح لذوي العقول من الشرفاء بأن المنتصر في تلك الحرب كان مهزوما, وبعد الهزيمة مباشرة ,ولد من قهر المبعدين من عامة الشعب وبقايا هياكل الدولة المدمرة ومن نهب الممتلكات العامة والخاصة ومن أنات المظلومين نهض "الحراك السلمي " الذي يدعو إلى فك الارتباط مع الشمال ليصبح فيما بعد تيارا جماهيريا عارما في الجنوب !!
وتغيرت الاتجاهات لدى الشعب في الجنوب نحو قيم الوحدة ,التي طالما حلموا بها ورددوا شعاراتها,, فتحولت الوحدة في ضمائرهم من حلم جماهيري إلى كابوس يقض مضاجعهم, عندما تبين لهم أن الوحدة لم تكن لخلاص الجنوب من الشيوعية بل كان الهدف منها السطو على ثروات الجنوب والهيمنة عليه وتمكن نظام صنعاء من شراء ذمم "الزمرة " من الجنوبيين الفارين الذين لا يمتلكون أي رؤية وطنية أو أفق لحل القضية الجنوبية وباعوا أغلى وطن أسمه الجنوب !!
واليوم وبعد 33 عاما من غزو نظام صنعاء للجنوب ,تأكد لدينا أن القناعات والأهداف واحدة وأن غزاة 2015م هم نفسهم الذين ما زالت تسكن عقولهم نفس الأهداف التي قام بها غزاة عام 1994م وحتى اليوم !!
وهي نفس الشخصيات والقيادات السياسية والعسكرية المتحالفة مع حزب الإصلاح الهمجي وبقايا مخلفات نظام صالح والمرتزقة من الجنوبيين والحوثي السلالي الذين يجددون الهجمة على الجنوب بحجة أن الطريق إلى صنعاء تمر من عدن وليست من مأرب أو نهم أو صعده !!
مع استثناء فئة قليلة من مواطني "الشمال" الشرفاء الذين ترسخت قناعاتهم أن الوحدة لم تقدم للأغلبية الساحقة من السكان في الشمال أو الجنوب إلا مزيدا من الجوع والفقر والمعاناة ,وتبين لهم أن تلك الحشود التي استخدموها بشعارات مضللة لغزوا الجنوب ليست سوى شعارات زائفة رفعها المتنفذون " عنوانها "الوحدة أو الموت " وبعد أن حققوا أهدافهم كشروا عن أنيابهم لحماية استثماراتهم وتنمية ثرواتهم وقصورهم وشركاتهم التجارية وهيمنوا على حقول نفطية كاملة في شبوة وحضرموت وكدسوا منها ثروات هائلة لم يكونوا يحلمون بها وعلى رأس تلك المنظومة الفاسدة عائلة الأحمر وحلفاؤهم من المتنفذين ورموز القبيلة وشيوخ الفساد من حزب الإصلاح والمؤتمر ,وفي ظل تلك الأوضاع ازدادت معانات الناس وتجويعهم وإفقارهم من بداية الوحدة وحتى اليوم , واستحوذت منظومة الفساد على ثروات البلاد من نفط واسماك ومعادن وموارد أخري لا تحصى وبعد سقوط نظام الشرير صالح استحوذ الحوثي على بقية التركة . واليوم بعد أن تبين فساد منظومة صالح ووريثه الحوثي أترك التعليق لأحد الإخوة الشماليين الذي يقول
"اليوم نتوقف قليلا كشماليين لمراجعة أنفسنا ,حتى لا تتكرر الأخطاء ونلدغ من نفس جحر حرب صيف 1994م ,فيتم دغدغة مشاعرنا بشعارات وفلسفات ,لم تكن بالأصل إلا غطاء للمزيد من التشظي والانكسار الحقيقي , فلندع الجنوبيين يقررون مصيرهم هذه المرة ,ولنرفع شعار " فك الارتباط أو الموت " بدلا من "الوحدة أو الموت " ولتبقي الوحدة خالدة في النفوس قبل الحدود والتراب , ولنترك للأجيال القادمة فرصة تحديد مستقبل البلاد وفق أسس علمية رصينة ,تضمن لنا القوة الحقيقة وتحقيق العدالة والمساواة والتنمية ,وما ضرنا أن كنا أكثر من دولة أو كيان إن كان ذلك سيحقق التنمية والرفاه للمواطنين ,فلا يُلدغ الشماليون من جحر مرتين "
ونحن نقول: تصور الكثيرون من أبناء الجنوب أو هكذا خيل لهم أن بلادنا بعد الوحدة قد دخلت مرحلة من مراحل الاستقرار وصور العدل والقانون، فإذا بها وفي ليلة ظلماء تتحول إلى كوابيس ومفردات وعناوين للقتل وإلى كلمات غريبة ودخيلة ليس لها في قاموس المعاني أي عنوان. فذهب الاستقرار وضاعت الحرية وتبخر القانون وتلاشت العدالة التي كنا نحلم بها في نظام مستقر وحل مكانها الإرهاب ودورات العنف لا تنتهي فصولها وبكت من قسوتها الجبال والوديان قبل الإنسان !!
أمست ليالي وطني سوداء مظلمة متشحة بالسواد ونازفة بالدماء، الخراب يعم كل الأرجاء وناعي الموت في كل حـــي وشــارع ينادي هل من مزيد، وأحلام الطـــــفولة هرمت باكـــراً وما عاد للطفولة معنى في وطن كل مـــعانيه قتل وتهــجير وظلم واغتيال وسجون وفساد!!.
وأصبح العقلاء المعتدلون والحافظون لكرامة الناس ودمائهم غرباء في أوطانهم ، يخون الصادق ويصدق الخائن.تغزو تراب الجنوب أسراب المليشيات والعصابات كالجراد لا تعرف إلا القتل والموت تنشره كل مرة على ثرى الجنوب!!
هذا وطني الجنوب وهذه حكايته. حروفه ومعانيه مبعثرة وهو غارق في فوضى خلاقة وأفكــــار هدامة. أبـــناؤه يعيشون بين طاغية يسومهم الخسف والقتل والتـــهجير والإفقار،ونظام دولي عاجز وكسيح يبيع كل شيء مقابل المال ويصنع كل الحروب والأزمات وفق مصالحه ويهيمن عليه الكبار وملفات الظلم تكدست في الأمم المتحدة حتى أصبحت أطول من مبناها الشاهق !!
وأخيرا وليس آخرا بأي قصيدة أرثيك يا وطني وبأي معنى أصفك؟ هل صحيح أنا منك يا وطني أم أنا غريب لا أنتمي إليك؟
عنواني يقول أنني منك ولكنني بعيد عنك ، ليس لي وجود فيك ، فأنا غريب بين الغرباء، وما أقسى أن يعيش الإنسان غريباً خارج وطنه والأقسى من ذلك كله أن يعيش في وطنه ذليلا ومهانا ، كل ما فيه ماض مؤلم ومستقبل مجهول!!
تبعثر الوطن وتبعثرنا معه. تقوده اليوم شلل حاقدة كتبوا عليه الفناء والخراب. تنازعوا أرضه وماله وخيراته ونهبوا ممتلكات أبنائه ، وقذفوا بهم إلى الموت أو غياهب السجون أو ساقوهم إلى المنافي!!
وأصبحت عدن مركز الإشعاع والحضارة والمدنية مجرد قرية ساحلية بائسة تعيسة تنعق على بيوتها الغربان وتحولت إلى قطع مسورة من العشوائيات يسطو عليها الغرباء ولن يستعيدها أصحابها لو قدموا للصوص السطو مائة وثيقة !!
عدن منهوبة ومنكوبة بالمجرمين الذين يجوبون شوارعها بالدراجات لقتل الأبرياء مقابل المال وتسجل الجريمة كل مرة ضد مجهول !!
وأصبح كل محرر أو مخلّص أو منقذ لا يختلف عن أخيه في شيء. أجندته خارجية وضحاياه أكثر من أعدائه،و من خالف أو عاند فمصيره مصير كل خائن!!
هذا وطني وهذه حكايته وهذا عنوانه فمن يطرق أبوابه ليعيد السلام إلى ربوعه بعد أن فشل أبناؤه ؟!! وأخيرا نقول : لا زال أملنا كبير في نجاح أشقائنا في السعودية والإمارات أن يخرجا اليمن كاملا من هذه الفوضى والدمار!!
هذا وطني حكاية مبعثرة الحروف فمن يجمعها بعد أن تمزق وتفتت وعجز أبناؤه عن إخراجه من محنته !!؟؟
د. علوي عمر بن فريد