د.علوي عمر بن فريد يكتب لـ(اليوم الثامن):

في اليمن الشعب يضحك ويسخر من الألم !!

عندما تطحن الحياة الشعوب وتشتد أوجاع الناس بسبب الحروب ويكتوون بنارها سياسيا واقتصاديا واجتماعيا حتى تصبح عصية على الفهم متقلبة كالطقس فتارة عاصفة وأخرى ممطرة و يكتسح طوفانها كل شيء أمامه ..
ينام الناس في بيوتهم ليلا..ويستيقظون صباحا على أزيز الرصاص ودوي المدافع ..يقفون في حيرة من أمرهم وهم لا يعلمون هل سيساقون قسرا إلى ساحات الموت أم إلى أقبية السجون وغرف التعذيب أم إلى المقابر؟؟!!
وعادة ما يلجئون إلى تأليف النكات والقصص الطريفة المضحكة لكي يخففوا من معاناتهم ولكي ينسوا أوجاعهم من بطش المعتقلات وغرف التعذيب ..فيصنعون النكتة التي تندرج ضمن إطار الأدب السردي ..وهي تعبر عن رد فعل المواطن لأعمال مرفوضة ..وسرعان ما يتداولها الناس شفاهة ..ويحكيها الظرفاء الذين يتمتعون بحس الفكاهة والدعابة اللاذعة !!
يقول الدكتور غازي القصيبي رحمه الله (( أن السخرية ثلاثة أنواع: السخرية من الذات وهي سخرية المتواضع، وسخرية من الأقوياء وهي سخرية الشجعان، والسخرية من الضعفاء وهي سخرية الأنذال))
نستطيع ملاحظة نمو هذا النوع من الفن –الفن الساخر- الواعي في المجتمعات التي تمتلئ فيها أفواه أفرادها ماء فلا هي تبتلعه ولا هي قادرة على لفظه.
يذكر أن فنان الكاريكاتير السوري علي فرزات حين عرض لوحة له تفسر بشكل أو بآخر شكلا من أشكال السياسة العراقية في معرض باريس في الثمانينات، طالب السفير العراقي بنزعها، واحتجاجا على ذلك وقّع عدد من الفرنسيين خلف تلك اللوحة دفاعا عن الفنان ودفاعا عن الفن «الساخر.
إن الفن الساخر يشبه في طريقته الكشاف الذي يستخدم في المناجم ليلقي ضوءه لاستخراج ما هو خفي، وهذا ما تحدثه السخرية فهي تلقي الضوء على عيوب المجتمعات، عن بؤس الواقع والحياة وما فيها من مشكلات أخلاقية، في اللحظة التي قد تكون ظاهرة ومتفشية ولكنها مستورة بستار ما، فيأتي الفن الساخر للحديث عنها بجرأة وجدية بين قوسي الهزل، حتى نجد أنه لا يستدعي فينا الضحك بقدر الرغبة في البكاء وفي اليمن : اشتهر أهل ذمار بروح الفكاهة والتنكيت ونكتهم لاذعة دائماً وفي إحدى النكات السياسية لأهل ذمار أن الرئيس السابق/ علي عبد الله صالح مر من ذمار ولم يتوقف بل واصل حتى إب.. استاء أهل ذمار الذين كانوا يتوقعون وقوفه عندهم.. لذلك علقوا لافتة طويلة عريضة عند عودة الرئيس إلى صنعاء، كتبوا عليها (أهلاً بضيف اليمن الكبير)!!
ويُعرف المجتمع الذماري بأنه فكاهي بطبيعته ومتمرّس في تطويع الحياة بتفاصيلها للسخرية حتى اشتهر بالتناول اللاذع للقضايا السياسية والاجتماعية على مر الأعوام، فالتصقت النكتة بذمار كمصدر حصري له طابع خاص، مما زرع البسمة في شفاه أحدهم حين يتيقن أنك من ذمار فيباشرك بالسؤال: ما هي آخر نكتة؟!!
ويشهد لأهل ذمار الروائي - محمد الغربي عمران (في ذمار وخاصة سكان المدينة ما أن يدخل أحدهم على المقيل حتى يطالبوه بآخر نكتة)، ليواصل قوله (وأرى أن النكتة تسري في دم الإنسان وهي شيء من السخرية خاصة إذا ما تأزمت الأوضاع وصعب الواقع على الفرد وما نعيشه حقل خصب للنكتة وأصبحنا نرى أن كثيراً من المدن يتبادل سكانها النكات على جيرانهم مثل إب والتي دوماً ينكت سكانها على ساكني جبلة، وساكني ذمار على يريم وهكذا وفي مصر اشتهرت النكتة على جنوب مصر الصعايدة مما جعل النكتة تصبح وسيلة للسخرية سواء على الوضع السياسي أو الأوضاع الاجتماعية وهي أدب بل وأدب راقٍ، وأخيراً نرى أن الأقصوصة تحمل روح السخرية ونجد أن مفارقتها هي من روح النكتة أو تقترب منها.. إذاً النكتة أدب يسخر فيها الفرد والمجتمع من واقعه!!
أما في صنعاء فهي تقاوم للحفاظ على هويتها من بطش الحوثيين الثقافي بطريقتها، وبالنكتة، فالرفض الذي يكاد يتدفق جحيما من أعين سكان العاصمة في أوج حالاته، على الرغم من امتلاك الجماعة لكل أدوات الإرهاب المادي والمعنوي، واستنادها إلى شتى وسائل القمع والتنكيل بحق معارضيها.
في الأماكن العامة، وفي الأسواق، في وسائل المواصلات، في طوابير الغاز، في المؤسسات الحكومية، في جلسات المقيل، وفي المدارس وفي صالات المناسبات، وعبر وسائل التواصل الاجتماعي ورسائل التطبيقات النصية، من خلال كل هذا لا يتوقف اليمنيون في صنعاء ليعبروا عن رفضهم الناعم للميليشيات الحوثية!!
من ضمن الطُرَف المتداولة عبر رسائل التطبيقات النصية، تلك التي تحكي عن شخص فقير حصل صدفة على «مصباح علاء الدين» وقام بفركه ليظهر له المارد ليسأله عن الأمنية التي يريد تحقيقها، فيرد عليه من فوره، طالبا أن يجعله مشرفا حوثيا .ثم بعد مدة وجيزة من تحقيق أمنيته، يفرك الرجل الذي بات قادرا على تحقيق أي شيء بجاهه ونفوذه وماله، المصباح ليظهر له المارد، ليبادره هو هذه المرة بالقول ))شبيك لبيك المشرف الحوثي بين يديك اطلب أمنيتك أيها المارد((.
ولا ننسى خفة دم أهل عدن ومن النكت الشائعة هذه الأيام في عدن عن دورة الخليج:

مباراة اليمن والإمارات
أصحاب الانتقالي شجعوا الإمارات
مباراة اليمن وقطر
أصحاب الإصلاح يشجعوا قطر
مباراة اليمن والعراق
الحوثه يشجعوا العراق
طيب المنتخب اليمني ذا تبع من ؟
‏الشرعية تطالب الانتقالي بتحمل نصف أهداف المباراة بحسب اتفاق الرياض!!

إن النكتة السياسية لم تكن مجرد فكاهة لتسلية الحكام في اليمن بل هي انتقادات لاذعة لنظام الحكم وحصر أخطاءه كذلك فهي تعبير عن نبض المواطن وتذمره من الحاكم
والأحوال السياسية في اليمن استعصت على الفهم حتى على رجال السياسة ودهاتها وكما قال صالح الصماد صراحة و دون مواربة : نرسل لهم القات في مأرب والجوف ..ويرسلون لنا السلاح والذخيرة !!
الحرب الأهلية التي تجري اليوم في اليمن في ظل الانقسامات السياسية تؤكد المقولة العربية : ( ما أشبه الليلة بالبارحة ) والتاريخ يعيد نفسه فما يحصل اليوم هو تكرار لما سبق بين الجمهوريين والملكيين في الستينات من القرن الماضي .. عندما استمرت الحرب 7 سنوات وهو نفسه ما يجري اليوم بين الحوثيين والشرعية وان تبدلت العناوين واختلفت المفاهيم !!
وتستمر الحرب الضروس ولا يستفيد منها إلا تجار الحروب والعملاء والسماسرة ..ويثري الجبناء ويموت الشرفاء والأحرار ويهلك الحرث والنسل ويموت الناس في اليمن وهم يضحكون ويسخرون من كل شيء بل ويصرخون من الألم .!!
د.علوي عمر بن فريد