د. عيدروس النقيب يكتب:

المؤتمر والإصلاح يتصالحان!!!

لن أتطرق إلى رأيي في نزاع الحزبين الرئيسيين في اليمن، الشريكين على مدى عقود في التحكم بمصير البلاد وأهلها، فالقصة معروفة للجميع ولا أرغب في ترويج المقولة التشاؤمية "إن اتفقوا سرقونا وإن اختلفوا قتلونا"، لكن المعروف أن الحزبين الذين يدعيان احتكار الوطنية والجماهيرية والجمهورية والثوروية والوحدوية والديمقراطية، يتحملان كامل المسؤولية التاريخية والسياسية والأخلاقية عما وصل إليه حال اليمن في الشمال والجنوب، من خراب وانهيار وعودة القهقرى إلى عصور ما قبل الدولة وما قبل الوطن وما قبل حنفية الماء والمصباح الكهربائي.
سيغضب أنصار الفريقين عندما نتناول موقف الحزبين الكبيرين (إن كانا ما يزالان كذلك) من الجنوب والقضية الجنوبية، لكنهم لا يعلمون ان الجنوبيين لا يهمهم أن تصالح الحزبان أم تخاصما لأن هذا الاختلاف أو التصالح لا يعني الجنوب في شيء إذا لم يتضمن اعترافاً يليه اعتذاراً واضحاً عن خطيئتهما الكبرى في تدمير الجنوب وإعادته قروناً إلى الوراء من خلال حربهما في العام 1994م وما تلاها من سياسات نهب وسلب وعبث وتهميش وتدمير ممنهج لكل ما يمتّ بصلة إلى ملامح المدينة والمدنية والنظام والقانون، وهو ما أوصل الجنوب إلى ما يعانيه اليوم من دمار وانفلات وتشتت وانهيار خدمات وحالات قتل وتفجير وتفخيخ وفوضى لانهائية.
لندع كل هذا جانبا ونعود إلى أسباب صراع الحزبين وعائدات هذا الصراع أو حتى التصالح على الحالة اليمنية، وأذكر هنا أنه وعندما انطلقت الثورة الشبابية السلمية الرائعة في العام 2011م كانت تلك الانطلاقة مدنية بأهداف سياسية ولكنها غالبا متحررة من الإملاءات الحزبية، وحتى عندما كانت مؤسسات "اللقاء المشترك" الذي كان حينها ما يزال قائما، حينما كات تناقش الأوضاع على الساحة وتصاعد فعاليات الثورة السلمية والموقف منها، كان وسطاء الرئيس (صالح) إلى اللقاء المشترك هم الأستاذ محمد اليدومي رئيس التجمع اليمني للإصلاح والدكتور عبد المجيد الزنداني وآخرين من قادة التجمع.
ولا يمكن نكران أنه وبمجرد انخراط شباب الإصلاح في الثورة ثم انضمام الفرقة الأولى مدرع، تنامى عدد المشاركين في الاعتصامات والمسيرات، وتحسنت حالة المعتصمين المعيشية، وترافق هذا مع احتكار للمنصة وللخطاب السياسي وطبعا للسيطرة الأمنية (أقصد الحماية وتنظيم الدخول والخروج، والسماح وعدم السماح بالولوج في ساحة التغيير) وأنا هنا أتحدث عن صنعاء، وقد تختلف التفاصيل من محافظة إلى أخرى لكن اللوحة العامة كانت هكذا.
كانت الثورة الشبابية سلمية بكل المعاني ولم تتجه إلى العنف وحينما كان شباب الثورة يتساقطون تحت ضربات نيران قوات الحرس الجمهوري والأمن المركزي، كان أهلهم يتباهون باستشهاد أبنائهم، وما زلت أتذكر ذلك الأب الإصلاحي الطيب الذي قدمته قناة سهيل والسعيدة وهو يتفاخر بأن ابنه اليافع إنما سقط من أجل هدف نبيل هو اقتلاع الاستبداد واستئصال الظلم والظالمين وإقامة الدولة المدنية العادلة، ومثله ذلك الطفل الذي فقد عينيه يوم جمعة الكرامة برصاصات قوات الأمن، وظل يُقَدَّم على المنصات وعبر الشاشات كصورة من صور التضحية والفداء والتحدي، وأمثالهم ضحايا إحراق ساحة الحرية بتعز ومسيرة الكرامة ، دعك من ضحايا الثورة السلمية الجنوبية التي يستكثر الفريقان عليهم وصفهم بالشهداء. 
لا أرغب في الخوض في تداعيات هذه الثورة وما تخللها من أحداث مما جعل الكثيرين يعتقدون بأن ما يدور هو صراع بين حزبي المؤتمر والإصلاح وهو لم يكن كذلك قط فضحايا هذا الصراع لم يكونوا سوى بسطاء الناس الذين وإن كان لبعضهم انتماء حزبي لكن كل ما كان يهمهم هو الخلاص من نظام التسلط والاستبداد وتحقيق الشعارات النقية للثورة الشبابية السلمية في بداياتها، بيد إنني أدعو قادة الحزبين الكبيرين وقبل بدء التصالح الذي هو قائم بينهما ولم يتعرض لأي تعطيل منذ أحداث المنطقة الوسطى في نهاية السبعينات ومطلع الثمانينات من القرن الماضي، أدعوهم إلى التصالح مع الضحايا وأولياء دم الشهداء وذوي الإعاقات والمشردين والمشلولين والمختطفين وإقناعهم بأن التضحيات التي قدموها كانت نتيجة خطأ سياسي ارتكبه قادتهم وأنهم يتعهدون بعدم تكرار هذه الخطايا التي يرى كل منهما أن الآخر هو من جر البلد إليها.
لن أطلب منهم أن يعتذروا للجنوب والجنوبيين فالجنوب عندهم ما يزال دار كفر وإلحاد وأهله محتاجون لغزوات تلو غزوات، حتى يرضى عنهم المتصالحون وفي أحسن الأحوال هم (أهل الجنوب) فرع عاد إلى الأصل ولا يمكن السماح له بالعيش خارج هذا الأصل النموذجي البديع الوديع المسالم المحروم من سماع طلقة رصاص واحدة منذ ستة عقود.
وأخيراً:
تصالحوا مع الوطن والمواطن قبل أن تتصالحوا فيما بينكم، فالوطن قد تعلم أن تصالحكم وبال وخصامكم ضلال وأبناؤه في الحالتين هم من يدفعون الثمن الثمين.