ثامر الحجامي يكتب:
جريمة أكبر من القتل
يعج التاريخ البشري بحوادث قتل مروعة، وحروب دامية كان ضحيتها ملايين القتلى والجرحى، طالما كان التسويق الإعلامي والسياسي جاهزا لإيجاد المبررات لمثل تلك الجرائم، بل إن بعض المجرمين أصبحوا أبطالا ورموزا وطنية لمجرد أنهم مارسوا القتل والإبادة الجماعية.
لا نريد أن نذهب بعيدا في صفحات التاريخ ونذكر الشواهد الكثيرة على ذلك، ولكن الجريمة التي حدثت في ساحة الوثبة في العاصمة العراقية بغداد، هي موروث إجتماعي لما قبلها من أحداث مشابهة ليس لدى العراقيين فقط، بل في عموم المجتمع العربي، رغم إختلاف الدوافع والأسباب.
فجريمة قتل ولي العهد العراقي الصغير ما زالت تهز الضمائر، ثم تبعها سحل نوري السعيد، وتلتها جريمة قتل عبد الكريم قاسم، والمشانق التي علقها الحزب الشيوعي في الساحات العامة، والإبادة الجماعية التي مارسها نظام صدام المقبور من السبعينات وحتى سقوط نظامه عام 2003، وما حصل في سبايكر وبادوش والرؤوس المعلقة في الموصل والرمادي وتكريت والأنبار، خير شاهد على ذلك.
إنطلقت مظاهرات إكتوبر في العراق، التي شارك فيها غالبية الشعب العراقي وتعاطف معها الجميع، لأنها كانت مظاهرات مطلبية، غايتها توفير فرص العمل وإصلاح الواقع السياسي والإقتصادي العراقي البائس، وإنشغال الأحزاب الحاكمة في التكالب على المناصب، ونسيان الجماهير التي أصبحت تعاني من أزمات كثيرة.
لكنها سرعان ما اخذت طابعا آخر، واخذت قوى اخرى - داخلية وخارجية - تجر البساط من تحت أرجل المتظاهرين السلميين، فإمتلأت المستشفيات بجثث الشهداء والجرحى وأصبحت مشاهد العنف والحرق وتدمير الممتلكات العامة والخاصة هي الغالبة على ساحات التظاهر.
تطور هذا الموضوع، وصرنا نشاهد جرائم الطعن بالسكاكين في وضح النهار وأمام مرأى الجميع، مع إيجاد تبريرات لمن يقومون بهذا الفعل، بدعوات انه مندس على المتظاهرين أو إنه من الأحزاب او إنه يتبع فصيلا للحشد الشعبي، وسط غياب تام للقوات الأمنية وعجزها عن القيام بدورها، واكتفت بإتخاذ موقف المتفرج، دلالة على بلاهة وغباء من إتخذ هذا القرار.
أرتكبت جرائم عديدة منذ قيام التظاهرات الى هذا اليوم، غالبها إتخذ طابعا سياسيا، لتصفية الخصوم والناشطين السياسيين، وبعضها ضد القوات الأمنية بينما البعض الآخر بسبب غياب القانون والانفلات الأمني الكبير، لكن ما حصل اليوم في ساحة الوثبة من هجوم على أحدى الدور من قبل المتظاهرين، وسحل صبي صغير وقتله، ثم تعليقه في شوارع بغداد جريمة كبرى يندى له جبين كل إنسان، إلا المتجرد من إنسانيته.
الجريمة الأكبر؛ هي تجمهر العديد من المتظاهرين في موقع الحادثة وتأييدهم لما يحصل، وسط أجواء من الفرح والسرور والتشجيع للقتلة، بطريقة لا يقبلها عقل أو منطق، والإستسلام الجماعي الفضيع للغالبية الحاضرة لمجموعة من الصبية، بل الكارثة هو الإنشغال في تصوير الجثة المعلقة فوق رؤوسهم بكل دم بارد.
كنا نأمل أن غياب الحكومة الضعيفة أصلا لا يكون مبررا لغياب الدولة والقانون، فكان أن ضاعت جميعها، وبغياب الوازع الديني والأخلاقي؛ أصبحنا نعيش في غابة بشرية بأخلاق حيوانية.