د. علوي عمر بن فريد يكتب لـ(اليوم الثامن):
الفساد لا زال يحكم اليمن !!
الحق والخير والجمال موجود في نفوس البشر وليس حكرا على أمة أو شعب من شعوب الأرض وفي الوقت نفسه يوجد الشر وقد يكون وراثيا أو مكتسبا في طباع البشر .. وأينما وجد الشر نجد الفساد بكافة أنواعه وأشكاله من القاع إلى القمة والنفس أمارة بالسؤ إلا من رحم ربي !!
ولا شك أنها إرادة الله منذ أن خلق الأرض والبشر عامة ..وسيظل الخير والشر في صراع أزلي حتى قيام الساعة !!
ولا شك أن منظومة الفساد وهي شبكة معقدة التركيب ضاربة الجذور في عمق الدولة اليمنية وخاصة في" اليمن الشمالي" منذ عقود طويلة ولا زالت متجذرة في الدولة اليمنية حتى اليوم ودخل الفساد إلى الجنوب بعد الوحدة الميمونة بالعدوى ومن أهم أسبابها ما يلي :
– عدم جدية الحكومة في كشف الفساد، ومحاسبة الفاسدين في الجهاز الإداري للدولة.
– الصراع الحزبي على السلطة، وتأثيراته السياسية السلبية، على عمل أجهزة الدولة، في كافة مستوياتها، وتغول مشايخ القبائل وتداخل نفوذهم مع أجهزة الدولة.
– ارتفاع مستويات الفقر في البلاد.
– عدم استقلال ونزاهة السلطة القضائية.
– وجود معوقات إدارية وقانونية تعيق جهود مكافحة الفساد،
ويعتبر الفساد، أو إساءة استخدام السلطة لتحقيق مكاسب خاصة، راسخاً بعمق في الاقتصاد السياسي اليمني على مدى العقود الماضية. على مدار النزاع الحالي، ومع تسبب النزاع بتشظي البلاد، أصبح الاستحواذ على الدولة اليمنية أكثر تعقيداً بكثير. في اقتصاد الحرب، تظهر شبكات المحسوبية الآن بين شخصيات هامشية أو غير معروفة سابقاً. ومع تزايد وتنوع الجهات الفاعلة المتربحة من النشاط غير المشروع في اقتصاد الحرب، أصبحت المصالح الاقتصادية المستثمرة في تواصل النزاع أكثر ولا ننكر أن الفساد ظاهرة دولية عابرة للقارات والحدود، وتُمارس في الدول الغنية والفقيرة، وكذلك الحال تحصل في الدول الديمقراطية، وبالتأكيد تجتاح الدول المستبدة وتستوطن بها، وتصبح جزءا من بنى الدولة. فالتقارير الدولية تكشف أن ثلثي دول العالم تعاني من استشراء الفساد، بنسب مختلفة، وبأشكال متعددة.
وتشير الإحصائيات صراحة أن كلفة الفساد في العالم العربي تبلغ 3 في المائة من الناتج المحلي، وتقدر بـ 90 مليار دولار سنويا. هذه الأموال "المسروقة"، التي تذهب لحسابات وجيوب مسئولين ورجال أعمال، كان يمكن أن تجسر الفجوة الطبقية المتنامية في هذه البلدان، وتعالج مشكلتي الفقر والبطالة المتفاقمتان وتنذران بكوارث ثلثي دول العالم تعاني من استشراء الفساد و3% كلفة الفساد من الناتج المحلي العربي و الصومال تحتل المرتبة 180 في مؤشر مدركات الفساد لعام 2018 الذي أصدرته منظمة الشفافية الدولية !!
وهي الدولة الأخيرة في المؤشر، والأكثر فسادا في قائمة الدول؛ أحسن منها بقليل سوريا بالمرتبة 178، وقبلها اليمن 176، والقائمة تطول . وهناك كوارث فساد متداخلة ومتشابكة بين منظمات أممية متواطئة مع الحوثيين وتحقق الأمم المتحدة مع موظفين ومسئولين متهمين بالقتال مع الحوثيين وآخرين تعاونوا معهم،
وقد كشفت وكالة أنباء أميركية عن تحقيقات أممية مع موظفين ومسئولين حول «كوارث فساد» واتهامات لعاملي إغاثة بالانضمام للقتال في صفوف الحوثيين، مما يهدد حياد المنظمات الإغاثة التي اتخذت من الحالة الإنسانية مظلة لجمع مليارات الدولارات.وحسب جريدة " الشرق الأوسط "
تبدأ القصة بمشهد درامي وقع خلال أكتوبر (تشرين الأول) 2018، حين احتشد محققون تابعون للأمم المتحدة في قاعة المغادرة داخل مطار صنعاء، واستعدوا للرحيل حاملين معهم دليلاً بالغ الأهمية: مجموعة من الحواسب المحمولة ومحركات أقراص خارجية جُمعت من موظفين لدى منظمة الصحة العالمية.
ساد لدى المحققين اعتقاد بأن هذه الحواسب تحوي دليلاً على وقوع جرائم فساد واحتيال داخل مكتب الأمم المتحدة في اليمن. لكن وقبل صعودهم إلى الطائرة، اقتحم رجال مدججون بالسلاح من الميليشيات الحوثية التي تسيطر على مناطق في شمال اليمن، صالة المطار وصادرت الحواسب، حسبما أفاد 6 من مسئولي الإغاثة السابقين والحاليين للوكالة الأميركية التي تُختصر بـ«أ.ب». لوهلة ساد أولئك المحققين ذهول من الموقف. لم يمسهم سوء، لكنهم سافروا من دون الأدلة.
وذكر المسئولون الستة أن الميليشيات الحوثية جرى إخطارها بالأمر من جانب موظفة في منظمة الصحة العالمية على صلة بالجماعة المتمردة خشيت أن يفتضح أمر اختلاسها من أموال المساعدات. ورفض المسئولون كشف هوياتهم نظراً لأن مسألة الاستيلاء على الحواسب لم يُعلَن عنها من قبل.
هذا المشهد يعد حلقة أخرى من نضال مستمر ضد الفساد الذي يحرم اليمنيين المحتاجين من أغذية وأدوية وأموال جرى التبرع بها لصالحهم في خضم حرب أهلية مشتعلة في البلاد منذ خمس سنوات.
وهناك اتهامات لـ12 موظفاً في مجال الإغاثة تابعين للأمم المتحدة ممن أُرسلوا للتعامل مع الأزمة الإنسانية التي خلقتها الحرب بالانضمام إلى مقاتلين من مختلف الأطراف لإثراء أنفسهم بمليارات الدولارات المتمثلة في مساعدات متدفقة على البلاد، تبعاً لما ذكره أشخاص على معرفة بالتحقيقات الداخلية الجارية في الأمم المتحدة ووثائق سرية اطلعت عليها الوكالة.
كما أعلنت «أ.ب» حصولها على وثائق تحقيقات، وعقدت مقابلات مع ثمانية عمال إغاثة ومسئولين حكوميين سابقين. وتدور الفكرة الرئيسية حول أن المراجعين الماليين داخل منظمة الصحة العالمية يجرون تحقيقاً حول مزاعم بأن أشخاصاً غير مؤهلين عُيّنوا في مناصب عالية الأجور، وأن ملايين الدولارات أُودعت في حسابات بنكية شخصية تخص موظفين في المنظمة، إلى جانب الموافقة على تعاقدات مثيرة للريبة دون توافر المستندات الورقية المناسبة، واختفاء أطنان من الأدوية والوقود تبرعت بها جهات خارجية لليمن ،ولا زالت الفرص متاحة لليمنيين للقضاء على منظومة الفساد المتغولة في بنية الدولة اليمنية والقضاء عليها شريطة أن يدعمها المخلصون الشرفاء كما حدث في ايطاليا ،وفيما يلي إليكم هذه القصة الواقعية :
في بداية التسعينيات في إيطاليا أعلن قاض أربعيني اسمه "أنطونيو دي بييترو "الحرب على الفساد.. بدأ الأمر حين اكتشف "دي بييترو" أثناء إحدى التحقيقات تورط بعض السياسيين في قضايا رشوة.. و بعد توسيع التحقيق وجد أنها شبكة ضخمة على المستوى الوطني متورط فيها شخصيات من كل الوظائف والمستويات، وزراء و مدراء شرطة، مدنيون و عسكريون، ديبلوماسيون، رجال أعمال زوجاتهم.
اتخذ " دي بييترو" قرارا أعتبر حينها "انتحاريا" بتوقيف كل المتورطين مهما كانت مناصبهم، وشملت الاعتقالات 5000 شخص بينهم أكثر من 1000 من رجال الدولة و السياسة، بينهم وزراء في الحكومة ثم رئيس الوزراء نفسه الذي هرب بعدها لتونس حيث قضى بقية حياته.
كان دي بييترو يعي أنه يحارب دولة بأكملها بكل ما يحمله المعنى، أضاف لقائمة أعدائه عصابات المافيا و الجماعات الماسونية، أطلق على العملية "الأيادي النظيفة" وصدم الايطاليون لحجم الفساد و خرجوا في مظاهرات تدعم "دي بييترو" و تعتبره بطلا قوميا و أصبح اسمه يغنى في ملاعب الكرة مع شعار "دي بييترو جعلتنا نحلم"..أصبح القاضي أسطورة حية و لم يفهم المحللون كيف تجرأ و فعلها، حين سئل بعدها كيف قام بتلك "المعجزة" و ذلك "الجنون" أجاب أنه اتخذ القرار و هو يعلم أنه قد يدفع حياته ثمنا لذلك و أنه اجتمع بمجموعة شباب من نخبة الشرطة و أفهمهم أن مصير البلد بأيديهم و أنه لا مجال للخوف و بدؤوا عمليات اختراق واسعة لشبكات الفساد، فكرته أن الفساد يدمر الدولة من الداخل لذلك يجب تدميره من داخله قال مرة مازحا :"الفساد كزواج المصلحة، إذا أفسدنا المصلحة يبطل الزواج و يصبح الأحبة أعداء يدمر بعضهم بعضا".
"دي بييترو" دخل تاريخ إيطاليا بتسببه بإلغاء منظومة عمرها أربعون سنة و تسبب أيضا في فناء أحزاب تاريخية، على يديه انتهت الجمهورية الإيطالية الأولى التي قامت بعد الحرب العالمية و أعلنت بداية الجمهورية الثانية.
خلاصة الأمر أن الفساد تتسبب فيه اللوبيات و يحميه الساسة و يصلحه العدل إن وجد...(( فهل يوجد لدينا قضاة مثل دي بيترو؟؟ ))
والإصلاح الحقيقي يبدأ من القضاء ، مع أجهزة أمنية محترفة ورجال مخلصون يؤثرون وطنهم على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة وهناك نماذج مشرفة في دول الجوار كأبي أحمد في أثيوبيا ومهاتير محمد في ماليزيا واليمن شمالا وجنوبا لا يخلو من الرجال الشرفاء أمثال من ذكرناهم !!
د. علوي عمر بن فريد