د. علوي عمر بن فريد يكتب لـ(اليوم الثامن):

اليمن همجية في الشمال وغوغائية في الجنوب !!

وسنذكر منهم فئتين : الأولى لا زالت مسكونة بحب الاشتراكي وأيامه الثورجية السوداء وحكمه للجنوب وتتمنى عودته !!
والفئة الثانية : مسكونة بحب الشماليين رغم الأخطاء الكارثية التي تسببوا فيها ودمرت الجنوب أثناء الغزو البربري الهمجي لاحتلال الجنوب مرتين بالقوة خلال الأعوام 1994م و 2015م وجلهم من الشماليين ولا نبرئ ساحة أحد منهم.. كما ساعدهم بعض الخونة من الجنوبيين الاشتراكيين !!
وهاتان الفئتان كل واحدة منهما لا زالت تتمترس خلف قناعاتها الهزيلة الضعيفة الحجة و يكرسان مدرسة خاصة للغباء السياسي لا يدخلها إلا الأغبياء منهم ويشكلون أبواقا إعلامية مهمتها تبرئة المجرمين والمتنفذين !!
والأدهى والأمر أن الأولى تعاتب الجنوبيين على ظنهم السيئ في الاشتراكي طيب الذكر ونقده رغم ما قام به من جرائم يندى لها جبين الإنسانية.
كما تبرئ الفئة الثانية ساحة المتنفذين الشماليين رغم كل ما قاموا به من تجريف وتعسف وسحق للهوية الجنوبية ونهب لثروات الجنوب وهو ما سنأتي على ذكره لاحقا!!
ويعدد أحد الأخوة من أبناء الجنوب المزايا التي يتمتع بها شخصيا في صنعاء ويقول :
((ينعم الجنوبيون في شمال اليمن بالجو الماطر الجميل يسرحون ويمرحون ويتاجرون دون أن يقول لهم أرحلوا أيها الجنوبيون "على الأقل من باب المعاملة بالمثل" بل نعامل باحترام في جميع المحافظات الشمالية على عكس ما نعاملهم به.))
ورغم أننا لا نقر تلك الأفعال الانتقامية المشينة التي جرت ضد الشماليين في الجنوب ولكننا نقول لهذا الأخ الحالم كاتب السطور: كيف تطاوعك نفسك بالانتعاش بأجواء صنعاء الجميلة وحضرموت محاصرة بالألوية الشمالية وحقول النفط فيها
يديرها وينهبها المتنفذون الشماليون كما شاءوا!؟
كيف يهنأ لك الاستمتاع بالأجواء الماطرة وشبوة والضالع وأبين تحت القصف وتتدفق عليها كتائب الإصلاح وتعيث فيها القتل والفساد؟؟!!
لقد كنا نحلم قبلك ليس باليمن الموحد بل بالوطن العربي الواحد والدولة الواحدة من طنجه إلى البحرين ، وجرب العرب الوحدة بين مصر وسوريا عام 1959م ولكنها فشلت ..وجربنا الوحدة مع اليمن ووقعنا في مآزق كثيرة ..كنا نحلم بدوله قويه غير فاسدة أو مفسده تحفظ ماء وجه مواطنيها وكرامتهم ومصالحهم ولا تفرق بينهم ..كنا نتوسد التاريخ ونستلهم الحضارة اليمنية الرائعة حتى ولو كانت اليمن ممالك مستقلة عن بعضها البعض..ولكنها كانت أفضل حالا مما نحن فيه اليوم.. وكنا نشعر بالفخر بما حققه الملوك والأقيال والمبدعون من العامة من تجارة وزراعة وسدود وقلاع وحصون وكنا نغض الطرف عن الروح العدوانية و الحروب والدمار الذي ألحقته الممالك اليمنية القديمة ببعضها البعض والتي ذهب ضحيتها الآلاف من البشر وخاصة في الجنوب ونتغنى فقط بالصفحات البيضاء ونحذف السواد الذي لحق باليمن طوال العصور ليس هذا فحسب بل تعمد المؤرخون أن لونوا تلك الصفحات بالألوان الزاهية حبا في اليمن وفي استعادة حضارته التليدة التي دفنت تحت الرمال ونام شخوصها وشواهدها وآثارها ولم تستيقظ من سباتها الذي أمتد لقرون وقرون حتى اليوم ..ونحن غارقون في التخلف والفقر والمجاعة ونحلم بالتخلص من معاناتنا و نتوسد الأرائك ونمضغ القات ونحن نعلم أن هذه الآفة التي ابتلينا بها من أهم أسباب تخلفنا وضياعنا !!
وفي العصر الحديث استفقنا ربع استفاقة من سبات القرون ووجدنا أنفسنا في قاع الحضارة وذيل الأمم وأردنا أن نتوحد في دولة واحدة في الوقت الذي فشلنا في التوحد مع أنفسنا جنوبا وقفزنا بل ركضنا في سباق محموم ونحن لم نستكمل بعد شروط الوحدة جنوبا هربا من تجربتنا المريرة والفاشلة مع الاشتراكي الذي دمر الجنوب وكانت النتيجة كالمستجير من الرمضاء بالنار .. وولدت وحدة منقوصة فيها تعصب و عنصرية و جهويه ..الزيود هم الحكام والشوافع رعيتهم ،والأقلية تحكم الأكثرية.. فيها سلب ونصب و رشوة واحتيال .. لا منهج علمي ، ولا ثقافة ولا رقي ، ولا تقدم اقتصادي .. فقط عشوائية وتخلف في كل شيء.. وينطبق علينا المثل " اتلم المتعوس على خايب الرجاء " وأصبح واقع الحال كارثيا علينا جميعا!!
و يختلف عما تخيلناه بنياتنا الصادقة واندفعنا إليه بعواطفنا الطيبة وحماسنا في سبيل تحقيق ذلك الهدف النبيل كخطوة على الطريق الصحيح لتوحيد الأمة العربية كلها ولكن خابت الآمال و تباعدت الرؤى .. واختلفت الثقافة والمذاهب .. وانكسرت الروابط وتغيرت المناهج .. وتبدلت الأحوال .. وانتهت العلاقات ..
وماتت الإنسانية ..ووجدنا أنفسنا محاطون بالمجرمين واللصوص وحب الذات والعنجهية والأنانية.وانتقلت العدوى للجميع حيث لا ثقافة ولا رقي ، ولا تقدم اقتصادي .. فقط عشوائية وتخلف في كل شيء ... وعانينا من التعصب والعنصرية والجهويه والسلب و النصب والرشوة والاحتيال ..ومع الأسف شاركت بعض القيادات الجنوبية "الاشتراكية الموتورة والمأزومه والمهزومة " في تكريس الاحتلال و أعمال النهب وأعانت الغزاة الشماليين وتحولوا إلى قوادين وأدلاء لهم وباعوا الجنوب وسقطت كرامتهم قبل كرامة الجنوب !!
ذهبنا للوحدة ونحن ندرك أن الجنوب يعادل ثلثي الثروة والمساحة وتوحدنا مع أكثر من 22مليون من البشر فيما لا يزيد سكان الجنوب عن 4 مليون حبا في الوحدة !!.
وتحولت بلادنا إلى مربعات من النفط والغاز في البر والبحر لهوامير الشمال ونهبوا المصانع والبيوت وسرحونا من أعمالنا وكفرونا وهمشونا وضاعت حقوقنا في دهاليز الغدر ووصمونا بالكفر وقالوا عنا حثالة من الهنود والمهاجرين .. وزايدوا علينا في محاولة منهم لاختزال الشجاعة و الرجولة ، والنخوة والكرامة والشهامة وأنها حكرا لهم وحدهم كجينات وراثية من زمن الأقيال ،وأنكروا أصولنا والغوا أنسابنا وتاريخنا الذي حفظناه و نشأنا عليه !!
ويأتي جنوبي أخرق ولا يرى في المشهد إلا الأجواء الماطرة والأمسيات الحالمة في صنعاء، ولا يرى إلا بعين واحدة ويختزل المشهد ولا يراكم في صوركم البشعة وأنتم تبطشون بالمواطنين في اليمن الشمالي؟!!
أنتم في الواقع ملكيون أكثر من الملك ...وكهنوتيون أكثر من الكهنوت !!
وجدناكم مستبدون و دكتاتوريون تبدلون تحالفاتكم ومواقفكم كما تبدلون ملابسكم إذا انتصرت القبيلة واليتم شيوخها وإن انهزموا بعتموهم لأول عابر سبيل.. ويشتريكم آخر بحفنة من المال الحرام ،ويرضيكم بعقيرة وتعشيرة .. إن انتصر الحوثيون ذهبتم مع السادة والولاية تارة لمصلحة وأخرى خوفا ورهبة .. وان انتصر الإصلاحيون آمنتم بالخلافة وخذلتم القيادة والزعامة ...تنكرون الجميل وتتجاهلون المعروف لا تحترمون الجار ، ولا الدار ،وكل شيء عندكم بلطجيه ،وسياستكم همجية،واتخذتم الوحدة مثل قميص عثمان ترفعونه إذا تضررت مصالح قياداتكم العسكرية والقبلية ، التي لم ولن تفرط فيها ، ليس حباً في الوحدة ودفاعاً عنها وإنما رغبة في الحفاظ على مصالحها الخاصة !!.
أنتم لا تحترمون خصوصية ولا تعترفون لغيركم بالهوية ولا الوطنية ،تعالجون كل شيء بالبندقية ...ونحن في الجنوب أسوأ حالا منكم منقسمون متشرذمون غوغائيون لا نعرف إلا ترديد الشعارات ولا نبرئ أنفسنا !!
وبعد أن دحرنا العدوان على الجنوب عام 2015م َ لاح في مخيلتنا بريق أمل ولكنه خاب وغاب وعادت عدن أسوأ مما كانت عليه وهذه المرة بأيادي جنوبية عندما نصبوا أنفسهم أوصياء على الجنوب وعلى عدن وهم ينحدرون من القرى والهضاب المحيطة بها وليسوا من أهلها !!
وفشلت الأحزاب الجنوبية وتوارت الزعامات وأصبحت محنطة خارج الخدمة والتغطية وقد هرموا ونالت منهم عوامل التعرية حتى أنهم شاخوا وأصابهم الزهايمر!! نحن نعترف أننا فشلنا عندما تسرعنا في الاندماج الكامل معكم في مشروع الوحدة المتسرعة وفشلت تجربتنا في حكم الجنوب بسبب المناطقية والجهوية والقبلية لأننا قفزنا على واقعنا وانسلخنا من جلدتنا وخابت آمالنا وتبخرت أحلامنا ولكن يمكن لأجيالنا الشابة الذين يبحثون عن نماذج وطنية مستقيمة وشريفة ونظيفة تلهمهم الانتماء لوطنهم، لعلهم يجدونها في المستقبل لو أرشدناهم وأضأنا لهم الطريق إن بقي لدينا ضمائر حية أوقليل من حكمة وبصيرة !!
ونعترف أننا قصرنا في رموزنا ورجال الحل والعقد منا عندما خذلناهم في رابعة النهار وكان قدرهم وقدرنا أننا نسينا فضلهم علينا وحاجتنا إليهم ولم نتذكرهم إلا بعد أن رحلوا !!.ونحن اليوم في الجنوب نقف مكسورين على رصيف الزمن نشعر بالضياع بعد أن فقدنا البوصلة وفشلنا في التصالح حتى مع أنفسنا وإذا بقينا على هذا الحال سيلفظنا التاريخ وسنضيع في سديم العدم ..والحل والمخرج هو مراجعة الذات من قبل الطرفين شمالا وجنوبا وكل منا يعود إلى دياره .. وعندما نستعيد ذاكرتنا المثقوبة لعلنا نصل إلى قواسم مشتركة تتحقق مستقبلا على أيدي شخصيات وطنية تنحدر من أصلاب الرجال الأفذاذ تكون قادرة وعابرة للتقسيمات و المصالح الشخصية والسياسية ، وفي الختام ما أحوجنا للضمائر الحية التي تضحي بكل امتيازاتها لمصلحة الشعب ومصلحة الوطن،وبقي القلة من أولئك الرجال الأفذاذ لا زالوا يعيشون معنا في خلايا ذاكرتنا الوطنية العصية على الشطب، وعلينا إيقاظهم والمضي قدما معا وتجاوز الماضي المؤلم الذي جلبه أشباه الرجال الذين حكموا وظلموا ثم سقطوا وغابوا عن أعيننا ولم يعد يتذكرهم احد!!.
د. علوي عمر بن فريد