فاروق يوسف يكتب:
الرسم الحي
أتذكر التونسي رضا العموري كلما اشتركت في حديث عن سوق الفن وصالاته وتأثيره الاجتماعي. فالرجل كافح من أجل أن يشقّ طريقه في الحياة العملية التي كان الفن مادتها.
أتى من العمل النقابي ليجد نفسه وسط سيل من الاتجاهات والآراء والأفكار وكان عليه أن يكون منصفا، بالرغم من أنه لم يكن في البدء يملك ذخيرة من الكلام النقدي الذي يتعلق بالفن. ذلك ما تعلمّه مع الوقت حين عرض في قاعته لكبار الفنانين التونسيين. وهو ما جعله قادرا على التمييز بين ما يمكن أن يكون ملهما للجمال وما يكتفي بالجمال باعتباره هدفا لذاته. ذلك ما أدخله في خصومات عديدة.
من وجهة نظره فإن صاحب القاعة ينبغي أن يتمتّع بحسّ نقدي يُمكّنه من قراءة تأثير العمل الفني نوعيا. ذلك ما جعله يتبنّى تجارب نجيب بلخوجة ورضا بالطيب وعبدالرزاق الساحلي ومحمود السهيلي من غير أن يغمض عينيه عن فناني تونس الكبار من أمثال حاتم المكي وعلي بن سالم. لقد تعلّم أن ينصف نفسه من خلال الفن. وكما أرى فإن الفن أنصفه.
اليوم حين يلتفت إلى ماضيه يمكنه أن يبتسم. لقد كان ذلك الشاب على صواب حين قاوم الواقع. فالرسامون الذين تحمّس لهم هم اليوم من كبار رسامي تونس، كما أن السنوات التي قضاها في سوق الفن قد علمته الكثير عن أصول الفن.
يمكنه اليوم أن يقول رأيا حاسما في تاريخ الفن التونسي الحديث. فهو يعرف كل شيء. لا باعتباره بائعا للأعمال الفنية بل لأنه تعلّم أن يكون ناقدا بعد أن حسم موقفه منحازا إلى الرسامين الذين أحبهم.
لم يحبّ نوعا من الرسم وكان ذلك من حقّه، غير أنه في المقابل ابتهج بالرسم الذي أحبّه. وهو ما أكسبه صلابة في مواجهة المشهد الفني.
لقد أكسبته تجربته الفنية مهارة في التعرّف على الرسم الحي. وهو مفهوم سيعتمده في الإعلان عن الرسوم التي سيبقى جمالها خالدا.