د. علوي عمر بن فريد يكتب لـ(اليوم الثامن):
عدن قيثارة الأحلام بين الأمس واليوم !!
عدن يا درة المدن.. يا قيثارة الأحلام.. يا ربة الجمال.. وقبلة العشاق.. وصوت الشجن .. ولحن الوتر.. فيك تغنى الشعراء.. واليك رحل الفن واستقر ولم يرحل.. عدن التي من شرفاتك تتدلى عقود الفل وأطواق الياسمين.. ومن نوافذك تتسلل رائحة البخور.. ومن قناديلك ينبثق الضؤ.. ومن ضحكات أطفالك يشرق الأمل وتتفتح الأزهار..
عدن يا مهد الحضارات والفنون.. يا ربة المجد ورفيقة الملكات.. إليك طارت ملكة بريطانيا واختارتك دون سائر المدن.. وقضت فيك أجمل أيامها وذكرياتها.. عشقتك دون كل مستعمراتها التي لا تغيب عنها الشمس.. اختارتك لتكوني شاهدة على حبها لك.. وشاهدة على من تحب.. قضت في ربوعك أجمل الذكريات على الشاطئ والجبل.. قضت فيك شهر العسل الذي تتمناه كل أنثى مع من تحب.. هكذا أنت يا عدن مدينة للحب والسلام تحتضنين كل غريب وتأوين كل مكروب من البشر.. لا تعرفين الحقد ولا الكراهية .. هادئة وادعة تستقبلين كل أجناس وأطياف وألوان وأديان ومذاهب كل البشر.. كنت مرفأ سلام تبحر إليه كل السفن... وتقلع منه كل الطيور والحمائم والنسور..ثم تعود إليه.كنت قبلة التجار والمغامرين والحالمين.. والطامحين..والعشاق!!
كنت منارة الفن والطرب ..ويرحل إليك الفنانون والمبدعون، أحيا فيك الموسيقار فريد الأطرش أجمل الحفلات، وسكب لك أعذب الألحان.. وغنى لك وحدك أبو بكر سالم بلفقيه "يا طايره طيري على بندر عدن" وغنى لك ولبريدك: محمد سعد عبد الله: صباح الخير من بدري.. وأحمد قاسم، ومحمد مرشد ناجي، وفيصل علوي والكثيرون.. افتتنوا بجمالك ودلالك، وصاغ لك الشعراء والأدباء.. قلائد الشعر مرصعة بالنجوم والأحلام..
عدن كنت درة مدن الجزيرة العربية والخليج يوم خرج المستعمرون.. باعوك رخيصة في سوق النخاسة، تآمروا عليك وأنت فرحة بعرسك.. واستقلالك.. البحر يغسل شواطئك وأمواجه تتراقص تحت أقدامك..وجبالك تعانق السحاب بهاء وفخرا، نعمة صاغها الخالق لك وحدك، وتنسكب منها شلالات الصهاريج لتزيدك حسنآ وجمالا، وذات يوم في أواخر الخريف وأنت تستقبلين الشتاء وأنت لا تعلمين أن الصفقة قد تمت.. وأن قوما من أبناء وطنك اختطفوك.. ومعك كل الجنوب.. وطاردوا أحرارك ،وفرسانك، وعلمائك، وشرفائك.. واستولوا على كل تاريخك وارثك الحضاري .. استولوا على مقاليد الأمور فوق ترابك.. ثم دمروك بصراعاتهم وهمجيتهم وهم يتنازعون الحكم عليك!!
غدر بك أبناؤك.. وتركوك تبكين أيامك الماضية.. حتى امتلأت صهاريجك دموعآ وجدرانك رصاصآ وبارودا.. وسالت دماء أبنائك في الشوارع أنهارا.. وكلما أقبل الشتاء تبكين.. وتتألمين.. دموعك حبات المطر.. ونحيبك صوت الرعد.. وكلما عادت الذكرى تبكين.. حتى طال بكاؤك يا عدن
لقد رحل عنك أحبابك وأنت تعلمين أنهم فارقوك قهرا وقسرا وتركوك وحدك تبكينهم.. وتبكي نفسك.. وكلما هطل المطر غزيرا في شتائك الحالم الجميل لم يغسل أحزانك.. ولم يغسل أحزاننا على فراقك هذا بالأمس !!
أما اليوم فقد عدت إليك وليتني لم أعد !!؟؟
صدمت عندما وجدتك مصلوبة ومسلوبة واختفت كل معالمك الحضارية التي انفردت بها وحدك دون سائر المدن ..ولم أصدق عندما رأيتك ..كنت أ شبه بقرية كبيرة تفيض المجاري في شوارعك كالأنهار..وتطفو القاذورات على طرقاتك ..وينتشر البعوض والذباب في سمائك وتنعق الغربان على أطلالك وأشجارك بنوا العشوائيات حتى سدوا بعض شوارعك... كنا نفاخر بجمال تخطيطك العمراني الذي كان يضاهي أعرق المدن العربية ولكنهم اليوم طمسوا معالمك ودمروا آثارك ومتاحفك الجميلة ، استولوا على الحدائق والمدارس ونهبوا الأراضي وخنقوك وشوهوك بل ونقلوا معالم القرى التي انحدروا منها و حملوها معهم وجسدوها عندما يحنوا إليها... بنوا ميافي الخبز في البلكونات ..و زرائب الأغنام وأعلاف البهائم و حظائر الدواجن بجوار البيوت !!
إنها ليست عدن التي نعرفها إنها هجين مشوه وجنين بلا ملامح !!
وكتل خرسانية زادتها تشويها .. حتى مياه الشرب التي كانت فراتا أصبحت اليوم غير صالحة للشرب الآدمي !!
إنها ليست عدن التي صاغ لها الشعراء والفنانون قلائد الشعر و أجمل الأغاني وأعذب الألحان ، حتى الصهاريج المعلم التاريخي طالته أيدي العابثين فشوهوا ملامحه ومعالمه الحضارية !!
واستولى أصحاب النفوس الحاقدة على شواطئك الجميلة يا عدن ولم تسلم من عبثهم ..بل وامتدت أياديهم الآثمة إلى بساتينك وحدائقك الجميلة في انتهاك صارخ يبكي له الحجر !! ...وزمان ويا ليت الزمان يعود أنتظر الشيخ محمد فريد العولقي وزير الخارجية الاتحادي شهورا طويلة ليحصل على رخصة بناء سكن شخصي له من المعتمد البريطاني وغادر الجنوب فبل أن يحصل عليه ؟؟!!
ولم يكن مثل هذا العبث حتى في عز جبروت الاشتراكي ..ولكن العبث بدأ بعد الغزو الشمالي للجنوب !!
ماذا أقول بعد هذا كله أأبكيك أم أرثيك يا عدن ؟!! وبأي قافية أهجو من كان السبب؟ وبأي لحن وتفعيلة أصوغ شعري ؟!!
اليوم بعد أن ضاق العيش فيك وانتشرت البطالة والجريمة بين شبابك وانعدم الوعي وغابت الكثير من القيم والأخلاق وتراجع مستوى التعليم فيك وأنتشر الصراع بين الأطراف الجنوبية وتصفية الحسابات بينهم وأصبحوا وكلاء للغير..يقتلون بعضهم بعضا ..ويؤجرون ضمائرهم الميتة لكل من يدفع الثمن لتنفيذ المهام القذرة دون خوف من الله !! و تسلل الخوف إليك يا عدن وانعدم الأمن والأمان في ربوعك حتى أصبح كل من فيك يتحسس رأسه وصدره ويسأل نفسه وقد تسلل الخوف إلى قلبه وهو لا يدري هل سيعود إلى بيته أم لا ؟؟!!
أنه ربما قد يكون الضحية القادمة التي يطلق عليه النار راكب دراجة مجهول ويرديه قتيلا ويموت وهولا يدري لماذا قتلوه ؟؟!!
صدقوني لست متشائما ولكن هذا هو واقع الحال في عدن اليوم وبعض مدن الجنوب
وأصبحت حقوق الناس منهوبة من قبل عصابات حاميها حراميها !!
والسؤال هو بل أسئلة كثيرة ملحة في طلب الإجابة على خاطري : أمن أجل هذا ضحى الشهداء بأرواحهم ؟ وهل هذا هو الوطن الجميل الذي كنا نمني أبنائنا وأنفسنا ونحلم به ؟!!
وهل نستحق هذا الوطن الجميل ؟؟ لا والله إننا لا نستحقه وقد استولى عليه الأوغاد والأوباش إن تركناهم يعبثون ويطبقون فيه اليوم شريعة الغاب !!
إنني أنادي كل الغيورين والشرفاء من هذا المنبر الحر أن يتصدوا لكل العابثين بأمن الوطن وكرامته ..وأن يوقفوا هذا العبث الذي طال كل شيء فيه وهم اليوم مع الأسف الشديد من أبناء الجنوب وإن لم نستطع ردع العابثين فلا نستحق العيش فيه والله المستعان !!
د.علوي عمر بن فريد