ياه ه ه… عندما تبلغ الخمسين

لم يعد ثمة تأثير لجملة مظفر النواب الشعرية عن خيبة الثلاثين، فقد وجد ما هو أقسى وأجمل منها شعريا في أغنية جديدة كتبها شاعر موهوب هو حاتم النعماني لصوت ياس خضر ولحنها ببراعة سرور ماجد عن العمر الذي تعدى السبعين.

فكرة العمر تبدو أكثر وضوحا مع نهاية كل عام، على الرغم من أن الإنسان لا يكف عن تأمل ملامحه يوميا أمام المرآة، لكن حسرة الأسى أو السعادة “لا فرق”! فاستنزاف قوة الحياة تبدو أكثر وضوحا مع نهاية كل عام، فيما تتحول كل جمل التهاني إلى لغة زائفة أمام حقيقة العمر نفسه.

الطموح في مقتبل العمر هو مجرد حزمة وعود لا يمكن للإنسان أن يتأكد من تحقيقها، من دون أن تثبط عزيمته، فما وعدت به نفسي إبان سنوات الدراسة يشبه ما وعدت به نفسك أنت، المحصلة تكمن في ما أنت عليه بعد الخمسين.

الواقع أن الشيخوخة في الدول المستقرة، تبقى مصدر تأمل ولوك الذكريات الجميلة والحزينة معا، ثم الاهتمام بمجموعة ألعاب تكنولوجية معاصرة تنتهي باختيار القهوة الجيدة في المكان المفضل.

لكنني أشعر بالألم لشيخوخة الرجال هناك في الدول الملتهبة، ود المجتمع لم يعد كافيا لبعث الاطمئنان في نفوسهم، ربما يكون هذا المزيج من المسؤولية والوهن الجسدي هو ما يجعل هذا العمر غير سعيد عموما. في معظم الدراسات المتعلقة بالسعادة، يصل الرضا عن الحياة إلى أدنى مستوياته في أوائل الخمسينيات.

كاتب متميز دخل الخمسين مثل سايمون كوبر تغمره مشاعر بأنه محظوظ بالعيش حتى هذه اللحظة، هذا لا يشبه الشكر المتهكم الذي يقدمه ياس خضر للعمر لأنه تعدى السبعين، تلك معضلة أسى أخرى، غير المعضلة بالنسبة لكوبر عندما لا يتعرف عليه أقرانه القدماء بعد تقدمه بالعمر “لا تنس أنه يتحدث عن الخمسين” فهذا الإحساس غير الإرادي بالانتصار على العمر يزول عندما يعجز عن تسلق سلم من طابقين.

في كل الذي أعنيه أن العمر فكرة مستمرة مع الإنسان وتصبح أكثر وضوحا بعد الخمسين، وتتضح أكثر مع نهاية كل عام وليس أمام المرآة، فتبدو جملة “مر العمر شاحبا” أعمق من كل أمنيات بالعمر المديد يتبادلها الناس مع بداية سنة جديدة تبدو في كل الأحوال سعيدة.

وفي كل الذي أعنيه أيضا، أنا أكتب عن الرجال حصرا، لأن من يتناول عمر المرأة هو رجل فظ لا أكثر، لهذا تعزو ريبيكا روتش، الأستاذة في جامعة لندن إلى أبناء جيلها مسؤولية التحذير الذي أطلقته قصيدة جيني جوزيف الشهيرة “عندما أصبح امرأة مسنة، سأرتدي أزياء بنفسجية”.