د. علوي عمر بن فريد يكتب لـ(اليوم الثامن):
اليمن تتعرض لأكبر تجريف في تاريخها وإرثها الحضاري !! (1-2)
قامت في اليمن حضارة عريقة من أقدم الحضارات التي عرفها الإنسان في الشرق عامة وفي الجزيرة العربية خاصة ، واعتمدت على التجارة والتعدين والزراعة والعمران، ما أهّلها لخلق مجتمع مستقر ازدهرت فيه الزراعة وابْتكر سكانه أساليب ريّ فاعلة كالقنوات والسدود..
كما تميز اليمن بموقعه الجغرافي الهام لنقل حركة التجارة العالمية، ليكون نقطة ارتكاز بين مصر والبحار الجنوبية والهند وازدهار حركة التجارة والصناعة عبر البحار من الصين حتى موانئ البحر الأبيض المتوسط ومن ثم نقل تلك التجارة إلى أوربا!!
ولم تكن فترة التاريخ الوسيط لليمن، أقل ثراءً؛ وهي الفترة التي شهدت انتشار الإسلام في البلاد، ولاحقاً، تعدُّد مذاهبه.وقد تمّت كتابة “التاريخ” في هذه الفترة بوعي أكمل، خاصة مع ثبات اعتماد اللغة العربية كلغة رسمية للتدوين؛ فنقلت المخطوطات التي احتفظت بها مكتبات اليمن ، الكثير من تعاليم الدين، وأخبار الدويلات التي تنازعها حكام الأقاليم الإسلامية!!
. ورغم أن تعدد الدويلات الإسلامية وصراعها المستمر مع بعضها، والتدخلات الخارجية في شؤون البلاد، كان له أثرٌ كبير في تدمير بعض المعالم التاريخية!!
وتعزو كثير من المصادر في القرون الأخيرة من الألفية الثانية، خاصة في المناطق الشمالية من اليمن. على أن التراث المادي (نقوش وتحف أثرية) في كلا المناطق الجنوبية والشمالية، تعرض بصورة متزايدة، منذ بدء الاستكشافات الأثرية منتصف القرن الثامن عشر، إما للنهب والسرقة والتهريب إلى خارج البلاد، أو التدمير
.وقد تعرض اليمن لجولات من مخاطر الطمس والتشويه والسرقة والتهريب على امتداد فترات النزاع السياسي التي مرّ بها اليمن !!
وبعد التجريف الذي تعرضت له الهوية اليمنية الجامعة، أتت الحرب الدائرة اليوم، على ما تبقى من التراث المادي والممتلكات الثقافية، وجعلت البلد يفقد يوماً بعد آخر، إرثه المتنوع، وتقاليده الراسخة في الحكم والممارسات الاقتصادية والثقافية!!.
وقد كشف باحث أمريكي متخصص في شئون الآثار عن سرقة آثار اليمن وتهريبها بغرض بيعها إلى دول مثل الولايات المتحدة الأمريكية.
وكشف الباحث الأمريكي "الكسندر ناجل" أن آثار اليمن تصل إلى أكثر من مليون قطعة يتم سرقتها بشكل دوري بطرق متنوعة....كما تبين لاحقا تهريب ما يقرب من نصف مليون قطعة أثرية تعرض اليوم في متحف حديث في دولة عربية !!.
وقال ناجيل إن معظم المستشرقين الذين زاروا اليمن منذ مدة طويلة وخصوصًا من أمريكا كانوا يقومون بأعمال دراسات وتنقيب، لكنهم “كاذبون، فهم تجار آثار
وأضاف “لقد عملوا على تهريب عدد كبير من الآثار إلى أمريكا ويصل عدد القطع المهربة إلى أكثر من مليون قطعة أثرية، وهم لديهم متاحف ومجموعات تقدر قيمتها بملايين الدولارات”، مشيرًا إلى أن ثروة أحدهم التي جناها من الآثار تقدر بحوالي 34 مليون دولار!!.
وتابع “للأسف الشديد الكثير من المتاحف والمجموعات في أمريكا تستقبل وتعرض القطع دون التحقق من مصدرها ولكن مؤخرًا وبوجود إدارات شابة للمتاحف بدأ هذا الشئ يتغير”.
وكشف ناجيل أنه “يتم تهريب قطع الآثار من اليمن عبر بعض الدول ومنها إسرائيل قبل وصولها إلى الولايات المتحدة”، مؤكدًا تورط ” العديد من المستكشفين والأكاديميين والدبلوماسيين في تهريب الآثار من اليمن!!.
من جهته يقول الباحث اليمني حسني السيباني أحد مسؤولي صفحة نقوش مسندية إن نصف آثار اليمن مسروقة ومنهوبة ومهربة وتباع في المزادات المخفية والعلنية وأيضًا الكثير من الآثار اليمنية موجودة في المتاحف العالمية.
وتابع: “للأسف كل الحكومات المتعاقبة في اليمن أخذت نصيبها كذلك من السرقة والنهب والتهريب والإهداء سواءً حكام أو مسئولين!!
وقد شنَّت الميليشيات الحوثية منذ انقلابها على السلطة في اليمن حرباً وحشية استهدفت من خلالها كل مواقع ومعالم اليمن الأثرية والتاريخية، تارةً بالنهب والتهريب والبيع، وأخرى بالتفجير والقصف والتحويل لمخازن أسلحة وثكنات عسكرية!!.
يؤكد مسئول في الهيئة العامة للحفاظ على المدن التاريخية بصنعاء (الخاضعة لسيطرة الانقلابيين) أن الميليشيات استهدفت أكثر من 150 مَعْلَماً وموقعاً أثرياً وتاريخياً بالتدمير والنهب والقصف والتحويل لثكنات عسكرية منذ انقلابها على السلطة أواخر عام2014م!!
ويُعدّ اليمن، وفق ما يرى كثيرون، متحفاً مفتوحاً، ولا يكاد يخلو موقع أو منطقة فيها من تاريخ محكي أو آثار مطمورة أو حضارة ازدهرت وبُنيت. لكن نحو 12 متحفاً من أصل 20 متحفاً تعرضت، وفق مسئول سابق في الهيئة العامة للآثار والمتاحف بصنعاء، للنهب والتدمير والخراب المنظم على يد الميليشيات الإجرامية.
وكشف المسئول في الهيئة (الخاضعة حالياً لسيطرة الانقلابيين) عن اختفاء أكثر من 13 ألف قطعة أثرية من متحف ذمار، إلى جانب اختفاء 16 ألف وثيقة تاريخية وقطع أثرية متنوعة وسلاح قديم من المتحف الحربي بصنعاء!!.
ويقدر المسئول، الذي فضل عدم ذكر اسمه، وجود أكثر من 120 ألف قطعة أثرية مختلفة الأشكال والأحجام في «المتحف الوطني بصنعاء»، قبل انقلاب الحوثيين، ويعود تاريخها إلى عصور يمنية سحيقة، ويكشف عن أن نحو 60 في المائة من تلك القطع لم تعد اليوم موجودة في باحات أروقة وحجرات المتحف الذي كان يُسمى في السابق «البنك المركزي اليمني للآثار!!ّ».
وتطرق المسئول إلى نهب الميليشيات لمحتويات أربعة متاحف بمحافظة إب والمتمثلة في متحف إب الواقع في مديرية المشنة، ومتحف جبل العود، ومتحف ظفار جنوب يريم، ومتحف جبلة..
وأوضح أن الميليشيات دمرت ونهبت في محافظة ذمار، متحف ذمار في مدينة ذمار، ومتحف بينون في مديرية الحدا، كما دمرت ونهبت متحف تعز الوطني، ومتحف عدن الوطني، والمتحف الوطني في زنجبار ومكتبة زبيد التاريخية، وغيرها من المتاحف والمواقع التاريخية اليمنية.وعبر مسلسلها الإجرامي في حق التراث اليمني، توجهت الميليشيات الحوثية لطمس وتشويه الهوية الحضارية لمدينة صنعاء القديمة من خلال طلاء جدران مبانيها القديمة ومدخلها الرئيسي (باب اليمن) بشعارات طائفية ويصعب (بحسب متخصصين في علم الآثار بصنعاء) إزالتها دون حدوث تغيير في شكل وطبيعة أحجار المباني القديمة.
ويؤكد متخصصون أن إزالة تلك الرسومات والشعارات والكتابات ستتطلب جهداً كبيراً يتمثل بعضه في القيام بعملية كشط بواسطة آلة تستوجب بالضرورة إزالة طبقات من واجهات الأحجار المبنية ما سيفقدها قيمتها الأثرية، وفق قولهم.
ووفق تقارير لمنظمات دولية ومحلية مهتمة بتاريخ اليمن، فإن يد الطمس والتدمير الذي انتهجته الميليشيات طالت كثيراً من معالم اليمن التاريخية، خصوصاً ذات الطابع الإسلامي ،ولا شك أن مقالا واحدا لا يكفي لبحث النهب الممنهج والتجريف التاريخي للحضارة اليمنية مستغلة ظروف الحرب الدائرة في اليمن منذ عام 1962م وللأمانة التاريخية فقد حافظ حكم الأئمة في اليمن على الموروث التاريخي لليمن ولم يسمحوا بالتنقيب أو سرقة آثار اليمن أو المتاجرة بها !!
وسنتناول في الحلقة الثانية نهب الآثار في الجنوب .
د.علوي عمر بن فريد