فيصل الصوفي

جوائح تهامية

فقدت تهامة مكي، وعفيف، والشحاري، وصادق، وغيرهم من حَمَلة الهموم الوطنية عامة، والتهامية خاصة.. ولم يبزغ من يسد مكان أي واحد منهم حتى الآن.. وقد صدق من قال: "إذا ما رأيت امرَأً ماجداً** فكن في عقبه سيء الاعتقاد".

لقد نُكبت تهامة بمن جاء بعدهم، كما في مثال حجري، وغيره من جنسه كُثر، يتوافرون على أموال ووجاهات وعلاقات خارجية وداخلية، ومع ذلك لا تبدو على أحد منهم أدنى رغبة في استخدام هذه الفرص لتقديم منفعة كبيرة أو صغيرة للمجتمع التهامي، بل يستخدمون هذه الميزات لإهانة التهاميين للإبقاء على دوامة الفقر تعمل باستمرار.

قبل أيام كنت أقرأ مقالاً لإعلامي تهامي، سرد فيه وقائع مُخزية لتابعي أحد كبراء تهامة الجدد، من بين هذه الوقائع قيامهم بمضايقة الطالبات أثناء ذهابهن إلى المدرسة وأثناء خروجهن منها في طريقهن إلى بيوتهن، وتحدث كاتب المقال عن شكاوى يتقدم بهن الأهالي، وكيف أن الكبير -وهو قائد لواء تهامي- كان يسقط تلك الشكاوى ويغض الطرف عن السلوك المخزي لأتباعه.. غير مبالٍ بالنتائج الكارثية التي تترتب على ذلك السلوك، وهو أن يمتنع المواطنون عن تعليم بناتهم، وربما أبنائهم.. ومعروف أن بقاء الأولاد خارج المدرسة هي أصل حكاية الفقر المتفشي في تهامة. ثم يأتي واحد مثل حجري يشغب على العفاشي الذي يساعد فقراء تهامة ويحسن البيئة المدرسية تحفيزاً للطلاب والتلاميذ من الجنسين.

شكّل أحدهم لواء مقاومة تهامياً، فجعل نصف أفراده حراساً لبيوته، ومرافقين في موكبه، وبدلاً من مقاتلة ميليشيا الحوثي في الجبهة، يشتغل بعض منهم بالمنكرات، فهذا يقتل تهامياً مسناً، لأن هذا الأخير قاوم محاولة السطو على أرضه في قطابا، وآخر قتل تهامياً فقيراً في سوق القات بسبب خلاف بسيط.. وثلة يتبلطجون على التجار والباعة الجائلين.. وساقطو مروءة يتحرَّشون بالدارسات في مجمع 22 مايو التعليمي بالخوخة، أثناء الذهاب إلى المدرسة وأثناء خروجهن منها.. ألم أقل إن تهامة نُكبت بكبارها الجدد؟

شيخ آخر كان يقود لواءً من أبناء تهامة، وشيئاً فشيئاً شرع في الاستحواذ على معظم الموارد التي كان يقدمها التحالف للمقاتلين، وخاصة الرواتب والتغذية والتحسينات، فانفض أفراد اللواء من حول هذا الجائحة، فمنهم من جلس في داره، ومنهم من التحق بالمقاومة الوطنية، ومنهم من انضم إلى ألوية العمالقة، ولواء الوحش، فوجد الشيخ القائد نفسه سبهللاً... وعوَّض عن ذلك بالشحذ الراقي عند أبواب المسئولين في الرياض، وعبر وسائل الإعلام التي تحرص -لغرض لا يخفى- على تلميعه.. وتقدمه بصفة قائد مقاومة وقائد عام حراك.. وكلما استمعت إليه -إضافة إلى ما أعرفه عنه- أضحك لسخفه وتحجره وصفاقته.

قبل أن يتنبه الإماراتيون لما يقوم به من نهب المجندين، كان هذا يتطوع بالمديح العالي لدولة الإمارات المتحدة: إن الإمارات دربت، وسلحت، ومولت، معركة الساحل الغربي، وأنشأت قوات أمنية لضبط وحفظ الأمن في مناطق تهامة المحررة.. الإمارات تدخلت إنسانياً منذ اليوم الأول لتحرير الخوخة عبر الهلال الأحمر الإماراتي بتزويد الفقراء والنازحين بالغذاء والخيام والمياه والأدوية.. الإمارات نفذت عملية إغاثية كبرى أثناء معركة الحديدة عن طريق جسر جوي.. وفي كل حالة كان يقول: لقد كان دور الإمارات رائداً، ومحورياً، وسوف تخلده الأجيال.. إنه دور لا ينكره إلا جاحد!

أما بعد أن حُرم من نهب مرتبات وغذاء أفراد اللواء.. وأما بعد عزت عليه خصلة أو سبب يؤهله لعضوية القيادة المشتركة في الساحل الغربي.. وأما بعد أن صار سبهللاً يبحث عن منصب مدر للدخل الوفير.. فها هنا للرجل كلام مختلف.. ترونه يشغب: تهامة تتعرض لتحديات ومؤامرات إماراتية.. المقاومة التهامية تعرضت لمؤامرة وعملية تفتيت وتشتيت من قبل الإمارات (وليس لأنه نهب مالها وغذاءها).. الإمارات أوقفت رواتب الألوية التهامية الأول والثاني والثالث منذ أشهر كثيرة.. الإمارات مكنت طارق من فرض الوصاية على تهامة.. الإمارات مكنت طارق السيطرة على البحر والملاحة الدولية.. القيادة المشتركة في الساحل الغربي وهم، فهي في يدي طارق وحده، ونحن مستعدون للقتال ضد طارق كما قاتلنا ضد الحوثيين.. وبدون مناسبة يزيد يقول: لن نسمح(!) بتكرار ما حدث عام 1934.. يقصد اتفاقية الطائف التي أبرمت بين السعودية واليمن في ذلك العام، لكن ماذا يعني أنه لن يسمح بتكرارها؟ يعني لدينا أخرق كبير، إذ إن النزاع الحدودي بين اليمن والسعودية قد تم حسمه نهائياً عام 2000.