د. علوي عمر بن فريد يكتب لـ(اليوم الثامن):
لماذا فشلنا في تأسيس دولة في الجنوب ؟!
لا أريد أن أدخل الإحباط إلى النفوس الجنوبية المترعة أصلا باليأس والإحباط من واقعنا المؤلم الأسود الأشد مرارة من الحنظل الذي وصلنا إليه ..كما أرجو أن لا يفسره البعض بجلد الذات الجنوبية التي قد شبعت من الانتكاسات حتى طفح كيلها وفاض ..ولكنني سأحاول أن أسقط جملة من الحقائق التي أوصلتنا إلى ما نحن فيه اليوم !!
• من يقرأ التاريخ الجنوبي بحيادية يجد أننا ولدنا وعشنا في بيئة ظلامية مشتعلة بالحروب القبلية والانقسامات تأبى أن تكون جزء من الدول التي قامت في (اليمن ) وتأبى أن تخضع لها أو تتوحد مع بعضها ولم يحدث ذلك إلا في فترات قصيرة جدا وتأبى أن تتصالح مع بعضها البعض وتنصهر معا وتقيم دولتها وكيانها المستقل الخاص بها !!
• تاريخنا حافل بالتشظي والحروب القبلية ضد بعضنا البعض داخل الجنوب وكلنا زعماء وفلاسفة ومنظرون وقادة مصابون بمرض تضخيم ال أنا ومن بعدي الطوفان ..تجدنا على هذا الواقع المزري حتى اليوم ولا زلنا نسأل بعضنا البعض عند التعارف : من أي قبيلة أنت ؟ ومن أي أسرة ؟ وإذا لم تؤكد للسائل من أنت وتفصح عن هويتك فأنت في نظره مجرد نكره !!
• لم نحكم حكما مركزيا واحدا لا طوعا ولا كرها ولم نندمج معا في كيان واحد طوال تاريخنا ..ولم يحكمنا إمام واحد ولا سلطان واحد عكس جيراننا في الجزيرة العربية والخليج العربي عندما غيض الله تعالى لهم رجالا مخلصين من أ بنائهم وقادة أفذاذ من الملوك والأمراء والمصلحين ونجحوا في جمع كلمة شعوبهم ووحدوها بالعدل والمساواة !!
• وفي (اليمن ) تاريخيا أقام ملوك وأقيال (اليمن ) والأئمة دويلات متعاقبة ولكنها قامت على القمع والظلم والقهر والسجن وسلسلة من الحروب والمذابح يندى لها جبين الإنسانية!!
• وفي الجنوب لم يكن الحال أفضل منه في ( اليمن ) بل سلسلة من الحروب والغزوات القبلية بين القبائل والإمارات الجنوبية ضد بعضها البعض ، وفي زمن الاحتلال البريطاني حاولت انجلترا أن توحدنا في كيان واحد كاتحاد ماليزيا وفشلت بسببنا نحن !!
• وعندما أسست اتحاد الجنوب العربي ورأت خلافات السلاطين على الحكم اقترحت عليهم أن تسند الحكم للأمير عبد الإله ولي عهد العراق والهدف من ذلك أن تنصب ملكا هاشميا مقابل إمام هاشمي لتحقيق التوازن آنذاك بين (اليمن ) والجنوب ولكنهم رفضوا ذلك .
• وإذا كان الشيء بالشيء يذكر فالقبائل الجنوبية ثارت على الأوضاع البائسة في الجنوب ولكنها سلمت نفسها طواعية للإمامين يحيى وأحمد وتحولت ثوراتهم إلى تكسب وارتزاق وإثارة القلاقل والتخريب والتمرد ضد بلادهم الجنوب !!
• ولا زالت رسالة المعتمد البريطاني لقبائل الربيز ترن في أذني والتي يقول فيها :
• الوثيقة رقم (39/ع) المرجع (تاريخ قبائل العوالق )لكاتب السطور.. بتاريخ 17 القعدة سنة 1374 هجريه الموافق 1955من إدارة المعتمد البريطاني –عدن – المحمية الغربية إلى سالم علي معور وأتباعه :الموضوع ( إنذار وتحذير من إدارة المعتمد البريطاني نصها إلى سالم علي معور وأتباعه :قبل أن تدخل الحكومة إلى وادي حطيب كنتم فقراء جياعا وبلا مال وجاءت الحكومة لإنقاذكم وأرادت أن تحسن بلادكم وتوفر الغذاء لكم جميعا وإلى ذلك الوقت كانت اليمن تتجاهلكم ولم تعطكم أي حب أو فلوس لأنه لم تكن منكم فائدة لها ،وبسبب حسد اليمن للنعمة الزائدة في عدن والمحميات فإن اليمن تريد أن تبقى البلاد فقيرة جاهلة متأخرة حتى تستطيع دائما أن تستعملكم كآلة في يدها لتأخير تقدم بلادكم عدة سنين ، إن الزيود يعطونكم اليوم ملأ بطونكم وغدا سيعطونكم الموت والهلاك ..إنكم قد أضعتم بلادكم ولا يمكنكم أن تعودوا إليها ، وستكونون مرغمين على العيش خارجها .
• كان ذلك نص الوثيقة البريطانية وكأن المعتمد يقرأ الحاضر والمستقبل وبالفعل حدثت توقعاته ليس لقبائل الربيز وحدها بل لكافة شعب الجنوب
• ومع قيام الثورة في (اليمن ) والتدخل المصري الذي جاء لينفس عن احباطاته بعد فشل الوحدة السورية – المصرية واعتقد عبد الناصر أنه سينجح في اليمن وبتدخله أشعل حربا دامت سبع سنوات وكذلك أشعل حربا في الجنوب مما دفع بريطانيا أن تسلم الجنوب للجبهة القومية التي تبنت الهوية اليمنية وتنازلت عن مسمى الجنوب العربي !!
• فماذا فعلت الجبهة القومية ؟؟!!.. لقد أقصت كل المكونات الجنوبية الفاعلة واحتكرت السلطة لوحدها (كل الشعب قومية ) واغتالت الزعامات الوطنية والقبلية والسياسية.
• وقد عبر عن تلك المرحلة المظلمة العقيد عوض علي حيدره جاء فيها :
• إن أوضاعنا الراهنة هي انعكاس طبيعي للأحداث الماضية التي شهدها الجنوب، والتي لا احد يريد أن يعترف بها من القادة الجنوبيين المتسببين فيها أو الاعتذار لشعب الجنوب عنها!! وتعد أسوا من أوضاعنا السابقة في ظل الاستعمار البريطاني، وفي ظل الحكم الشمولي للحزب الاشتراكي اليمني، وفي ظل الاحتلال اليمني.
•
• وبناء عليه فقد اثبتت التجارب أننا لسنا رجال دولة وغير مؤهلين للحكم وغير مستعدين لعمل وحدة وطنية جنوبية حقيقية في الوقت الراهن ناهيك عن التصالح والتسامح، ومن اجل الحفاظ على أرواح الجنوبيين، وعدم سفك المزيد من دمائهم الطاهرة، ولان الأمور ليست بيد هادي ولا بيد الزبيدي، فإننا نرى انه من الأفضل والأسلم لهما ولشعب الجنوب تجميد نشاطهما السياسي والعسكري والاجتماعي في الجنوب وتقديم استقالتيهما لدول التحالف العربي، وبدورها تتحمل دول التحالف العربي المسؤولية السياسية والاقتصادية والاجتماعية لتأهيلنا في الجنوب وتعقيلنا، ومن ثم تقرر ما هو الحل المناسب، إما الانفصال أو الوحدة. أو يصر كل طرف جنوبي على موقفه وننتظر جولة جديدة بين الجنوبيين تكون مسك الختام.
• وهكذا كذبت الجبهة القومية (الحزب الاشتراكي اليمني ) على شعب الجنوب منذ تأسيسه حتى سقوطه المدوي في 7/يوليو عام 1994م ،والأغرب من ذلك أن ورثته لا زالوا ينظرون علينا تارة بالوحدة وأخرى بالأقاليم بينما شعب الجنوب يغرق في المستنقع اليمني ولا زال يبحث عن القشة للخروج من (الوحلة ) التي رمونا فيها !!.
• د.علوي عمر بن فريد