د. علوي عمر بن فريد يكتب لـ(اليوم الثامن):

صرخة امرأة في باريس يسمعها العالم وفي اليمن لا يسمعها أحد !!

كثيرة هي المفارقات العجيبة في هذا العالم حيث لا مساواة بين العالم الأول ومنه فرنسا والعالمين الثاني والثالث ..ففرنسا التي كان شعارها عند قيام الثورة : (حرية –مساواة - إخاء ) حالها كحال الغرب وأمريكا يطبقون شعاراتهم على مواطنيهم وعلى العالم الأول فقط ..أما نحن الذين ندور في فلك العالم الثالث لا يأبه لنا أحد ،فمنذ خمس سنوات على حرب الحوثي على الشعب اليمني و العالم الأول يوقد نار هذه الحرب الضروس ويشعل الأزمات ليس في اليمن وحده وإنما في العراق وسوريا ومصر وليبيا والسودان وتونس والجزائر..ورغم أن الجرح العربي النازف في كل البلدان العربية أعلاه لكننا سنأتي على مأساة اليمن ولن نخرج لكم إلا أذن الجمل...حيث وثقت منظمات إنسانية منذ العام 2014 قيام مليشيا الحوثي الانقلابية باختطاف العديد من النساء اليمنيات في العاصمة صنعاء وعدد من المحافظات اليمنية، وتعرضت العديد من النساء العاملات في المجال الإنساني والإعلامي والحقوقي للاختطاف.
وأشار التقرير إلى أن عدد النساء المختطفات التي قام بتوثيقها تحالف رصد لنفس الفترة بلغ (220) امرأة، بينهن (87) ناشطة سياسية، و(30) طالبة، و(10) نساء من أقلية الطائفة البهائية، و(6) ناشطات حقوقيات، وإعلاميتين، وسجلت أعلى نسب الاختطاف في صنعاء؛ إذْ بلغ عدد الضحايا فيها (204) نساء.
ولفت التقرير إلى أن المرأة اليمنية لم تسلم من الانتهاكات الشنيعة التي تعرض لها الرجال في مناطق سيطرة مليشيا الحوثي، حيث قامت المليشيا باختطاف وتعذيب (87) امرأة للفترة من بداية 2018 وحتى مايو 2019، كما قتلت وتسببت بمقتل (199) امرأة، خلال الفترة نفسها ولم يحرك العالم ساكنا لهذه الجرائم .
وفي فرنسا أنصت العالم كله لامرأة فرنسية !!
ففي 17/11/2019م خرج نحو 290 ألفا من الفرنسيين يرتدون السترات الصفراء لتصعيد الاحتجاجات واجبار الحكومة على الرضوخ لمطالب دافعي الضرائب من العمال والموظفين واختاروا اللون الأصفر ليكون أيقونة المظاهرات !!
وخرجت امرأة فرنسية تصرخ وتقول :
لماذا تفعلون هذا ؟ لماذا تحرقون وطنكم ؟!! الم تشاهدوا ماذا فعل العرب بأوطانهم ؟ أين هم الآن؟ !! أصبحوا لاجئين في كل مكان !!
يلقون لهم الطعام من الطائرات .ماذا فعلت لهم المظاهرات ؟ أنا أمامكم اقتلوني أنا ولا تقتلوا وطنكم !! أحرقوني ولا تحرقوا باريس !!
أرجوكم لا تحرقوا باريس !!
لماذا تحرقون وتدمرون الوطن ؟؟
أنظروا لمستقبل أولادكم ..أتريدوننا لاجئين يساومون علينا ؟
أرجوكم أنظروا إلى الشرق ؟ أًصبحت نساؤهم تباع في سوق النخاسة !!
حافظوا علينا وعلى مستقبلكم ,, هل ترون المستقبل في خراب بلدنا ؟؟!!
أقول لكم مرة أخرى أقتلوني ولا تحرقوا فرنسا ..لا تدمروها ..لا تصوروني ..أرجوكم حافظوا على وطنكم!!
وبعد التدقيق ومتابعة الحدث في عدة صحف أجنبية تبين لنا :
أن السيّدة محتجة من السترات الصفر، وليست شرطية كما يزعم البوست.
صرخة يأس لامرأة.
-هل قالت: "تعالوا واقتلوني... لا تخربوا باريس مثلما خرب العرب أوطانهم"؟
إليكم الترجمة الحرفية لكلام السيدة، من الفرنسية إلى العربية:
"اللعنة، حتى نحن لسنا مسلحين. اللعنة، انظروا إلى ما تفعلونه بنا. ناضلوا من اجل أطفالكم ونسائكم.؟؟ ولكن ما الذي تفعلونه بنا؟ انه عار بالفعل. عليكم أن تخجلوا من أنفسكم. ما تفعلونه عار. هناك أشخاص مصابون، ونحن لسنا مسلحين. ليست لدينا أسلحة، اللعنة. ليس لدينا أسلحة. لسنا مسلحين، لسنا مسلحين... لماذا تفعلون بنا هذا؟ لسنا مسلحين (تنزع عنها سترتها، وتركع أرضا). لماذا لا تكونون معنا؟ ابكوا معنا، موتوا معنا. لماذا اللعنة؟ لماذا تؤذون الناس؟ لقد سقط قتلى. هناك قتلى، ويجب أن تشعروا بالعار. لديكم أطفال ونساء وأزواج وإخوة.
ليست لدينا ضغينة. نحن حتى ليس لدينا كره. لكن انظروا. نحن عزل، ليس لدينا شيء. ليس لدينا كره تجاهكم. ليس لدينا كره تجاهكم. ما نطلبه منكم هو أن تكونوا معنا، من اجل الشعب، من اجل فرنسا، وطننا وأمتنا، الشعب الفرنسي، انتم الشعب، انتم مثلنا. نحن إخوانكم وأخواتكم!!.
يلقي احدهم بشيء في اتجاه الشرطة. وتنتفض المرأة صارخة: "لا، لا تفعلوا هذا، لا تفعلوا هذا". وتواصل كلامها:
"لماذا تفعلون بنا هذا؟ نعلم أن ما يحدث يغضبكم. نعلم أنكم تتألمون".
بموجب كلام المرأة، المؤكد أنها لم تقل: "تعالوا واقتلوني"، كما يزعم البوست المتناقل. كذلك لم تأت على ذكر "العرب وتخريبهم لأوطانهم"، لا من قريب ولا من بعيد، بخلاف ما يزعمه البوست.
البوست المرفق بالفيديو كاذب. المرأة ليست شرطية، بل محتجة من "السترات الصفر أما ما زُعِم أنها قالته، فخاطئ كليا، فبركة، ولا يمت إلي الحقيقة بصلة. وفقا لما قالته في الفيديو، لم تـأت إطلاقا على ذكر "العرب وتخريبهم لأوطانهم". كذلك لم تقل: تعالوا واقتلوني!!
صرخة وامعتصماه !!
وبعد أن سمع العالم كله صرخة المرأة الفرنسية لا شك أنه قد سمع بصرخة المرأة العربية التي لا زال صراخها منذ أجيال يرن في آذان أمة تصدرت التاريخ ثم تناسلت أجيالا نامت واستكانت وسبقتها الأمم وتجاوزتها ..وعندما أيقظتها المؤامرات من سباتها بدأت تصرخ من الألم ولكن لم يسمعها أحد وتشردت شعوبها ونهبت ثرواتها وهي لا زالت تحلم بمعتصم جديد ينهض من ركام التاريخ ..أمة تتوسد قصص التاريخ وترويها لأطفالها وتلعق جراحها النازفة لعل معتصم جديد يخرج من ركام الأساطيرأو حقول الزيتون أو سنابل القمح أو من ينابيع بردى حتى يعيد الرجل أمجاد العرب ويجسدها لهم من جديد وينام أطفالنا على هذه القصة التي تقول :
أغار الروم في أيام المعتصم بالله بن هارون الرشيد على بلدة زِبَطْرَة المسلمة وعاثوا فيها فساداً، واعتدى رومي من أهل عمّورية على امرأة عربية مسلمة فصاحت مستنجدة بعبارتها المشهورة بين العرب إلى هذا اليوم «وامعتصماه» بمعنى أغثني أيها المعتصم، ولي أمري، فسخر منها الرومي، ووصل خبر ذلك إلى المعتصم فأقسم أن ينصرها، وغزا بلاد الروم، حيث وقعت معركة عمورية الشهيرة بين الخلافة العباسية والإمبراطورية البيزنطية في رمضان من عام 223 هـ الموافق لأغسطس من عام 838 م. وكانت هذه المعركة من أهم المعارك الإسلامية - البيزنطية..
انتصر العرب المسلمون نصراً مؤزراً، وفُتحت عمّورية، وأُسر ذلك الرومي، وأحضرت المرأة لتراه ويراها، رغم أن المنجمين كانوا قد نصحوا المعتصم بالانتظار حتى ينضج التين والعنب، لأنه لن يستطيع فتح عمّورية قبل ذلك، لكنه لم يستمع لنصيحتهم، وغزاها وانتصر، فأنشد أبوتمام حبيب بن أوس الطائي في هذه المناسبة قصيدته المحتفية بالعقل والتدبير والحزم والعزم ضد ظلماء الخزعبلات والرجم بالغيب والتطيّر بجانب ثنائها على نجدة الضعفاء وضحايا الحروب والدفاع عن الوطن والحق.
السَّيْفُ أَصْدَقُ إِنْبَاءً مِنَ الكُتُبِ
في حدهِ الحدُّ بينَ الجدِّ واللَّعبِ
بيضُ الصَّفائحِ لاَ سودُ الصَّحائفِ في
مُتُونِهنَّ جلاءُ الشَّك والرِّيَبِ
والعِلْمُ في شُهُبِ الأَرْمَاحِ لاَمِعَة ً
بَيْنَ الخَمِيسَيْنِ لافي السَّبْعَة ِ الشُّهُبِ
أَيْنَ الروايَة ُ بَلْ أَيْنَ النُّجُومُ وَمَا
صَاغُوه مِنْ زُخْرُفٍ فيها ومنْ كَذِبِ
وختاما أقول : متى تستيقظ أمتنا من سباتها الذي تجاوز أهل الكهف وتعيدنا إلى مسار التاريخ وتجسد قوله تعالى :
كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ۗ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ ۚ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ(آل عمران-110) صدق الله العظيم
د.علوي عمر بن فريد