د. ياسين سعيد نعمان يكتب:

وطن سيهزم كل من يتطاول قيم المواطنة

انتذكر كيف ضج الكثيرون محذرين من تدهور الاوضاع الانسانية ومن كوارث جسيمة حينما كانت قوات الحكومة العام الماضي ، مثل هذا الوقت ، على مشارف مدينة الحديدة ، ولم يكن يفصلها عن الميناء غير بضعة كيلومترات .
لنتذكر جيدا أن "الإنسانية" قد استخدمت كغطاء لأهداف غير انسانية ، وهو ما أثبتته بعد ذلك الوقائع ومسارات الأحداث .
وسواء كان ذلك بقصد أو بدون قصد ، فإن ما يثير الحيرة هو أن المجتمع الدولي لم يتحدث بعد ذلك عن تدهور الاوضاع الانسانية التي رافقت حملات المليشيات الحوثية العسكرية لقمع المواطنين في حجور والحقب ودمت والعود والبيضاء ثم اعلان الحرب على الضالع ، ومواصلة ضرب بلدات ومدن الساحل الغربي بالصواريخ والكاتيوشا والطائرات المسيرة ، وكذا ضرب وتهديد دول الجوار بتوسيع رقعة الحرب على ذلك النحو الطائش الذي تسبب في تعظيم كارثة الحرب ومآسيها الانسانية على الشعب اليمني .
كل ما أسفرت عنه تلك الضغوط هو انها وفرت للمليشيات الحوثية فرصة استرداد نفسها ، وإعادة تنظيم قوتها العسكرية ، واختيار أهدافها في ظروف مثالية محروسة بمنطق الانسانية ، ظاهره الرحمة وباطنه العذاب .
لم تشهد البلاد سوى المزيد من تدهور الأوضاع الانسانية بعد أن وظف الحوثيون كل ما ترتب على تلك الضغوط من اتفاقات للهدنة التي لم تلتزم بها المليشيات الحوثية ، وتنصلت من كل ما شملته اتفاقات استوكهولم بما في ذلك الانسحاب من الحديدة وموانئها الثلاثة .
لقد سخر الحوثيون من العالم، ومن الاتفاقات التي سعت اليها الامم المتحدة والدول الصديقة التي حرصت على اخراج اليمن من محنته ، بما في ذلك الدولة المضيفة ( السويد) ، وأخذوا يستفيدون من تجميد جبهة الحديدة ويعدون العدة لاستعادة نهم ، الجبهة الاستراتيجية من الناحية العسكرية الأقرب الى العاصمة صنعاء ، ما يعني أن كل ما قبلوا به من اتفاقات كان مجرد مناورات تدور في إطار استعادة أهداف عسكرية استراتيجية ولا تمت بأي صلة للسلام ..
كان البعض ، حتى وقت قريب، لا يزيد أن يصدق علاقة ايران بالحوثيين حتى اتضحت الصورة مؤخرا لأكثر هؤلاء تشكيكاً في هذه العلاقة ، ثم أخذت الحقيقة تنجلي أمام كثير من أولئك الذين ظلوا يعتقدون أن الحوثيين جادون في عملية السلام .
والحقيقة أن الحوثيين هم الذين يقدمون للعالم الدليل تلو الآخر على أنهم مجرد مليشيات مغامرة تخدم أجندة إيران في الاقليم ، حيث لا يعنيهم من أمر اليمن سوى ما سيرتبه هذا الوضع المضطرب فيه من شروط جيوسياسية لخدمة النظام الايراني ومشروعه الطائفي .
الحوثيون في حقيقتهم أصغر من هذه المعارك التي يخونون بها وطناً لا يريد منهم سوى أن يقبلوا أن يكونوا مواطنين .. هذا الوطن هو الذي سيهزمهم ، وسبهزم كل من يتطاول على قيم المواطنة.