آراء وأفكار

عبدالله الجنيد يكتب:

الرهان الأخير

لم يتوافق طموح سياسي بين زعيمين بقدر ما جمع بين رئيس الولايات المتحدة الأمريكية دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، فكلاهما يطمح في تسجيل اسمه في مصاف الآباء المؤسسين.

ولم يحظ مثل ملف السلام في الشرق الأوسط إلا بما ارتآه الاثنان بما يتناسب وتوظيفه في احتواء ما يواجهان من تحديات تهدد مصيرهما السياسي.

يواجه الرئيس ترامب حملة عزل محمومة من الحزب الديمقراطي في الكونغرس، وبنيامين نتنياهو أطول رؤساء وزراء إسرائيل عمراً في منصبه قد فشل مرتين في إعادة انتخابه ومهدد بالمثول أمام القضاء الإسرائيلي لمواجهة تهم ليس أقلها التربح السياسي من منصبه.

ومرة أخرى تتقاطع مصالح الاثنين في تحويل الرأي العام الأميركي والإسرائيلي من ملفاتهما الخاصة إلى ملف السلام المتعثر، أو ما بات يعرف بخطة السلام في الشرق الأوسط. ويعتزم الرئيس ترمب الإعلان عن تفاصيل تلك الخطة في واشنطن اليوم (الاثنين) بعد الاجتماع بكل من بنيامين نتنياهو و بيني غانتز (زعيم حزب أزرق وأبيض).

ما لم يخدم الرئيس ترامب في هذا الملف هو نجاح نتنياهو في استثمار كبرياء الرئاسة لا الرئيس، فكانت النتيجة اعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل "رغم" التشديد على أن الوضع القانوني النهائي مرتبط بعملية سلام ستعلن تفاصيلها لاحقاً. واعترافه لاحقاً بشرعية ضمها الجولان المحتل أملاً في اعتراف نتنياهو بالقدس الشرقية (ما تبقى منها) عاصمة لدولة فلسطين المُعطلة. لذلك قد يبدو أن دعوة بيني غانتز لا تعدو كونها أداة ضغط سياسي على بنيامين نتنياهو واللوبي اليميني الإسرائيلي في الولايات المتحدة، أو الضغط على الاثنين معاً في محاولة للتخفيف من ضغوط محاكمة عزله.

توقيت كشف الرئيس ترمب عن الأطر الحاكمة لعملية السلام الموعودة أو بعض تفاصيلها لا تتجاوز مناورة ارتدادية من قبله، فهو يدرك حجم المتغيرات في ميزان القوى في الشرق الأوسط بعد أن قررت أوروبا الانخراط بشكل أكثر مباشرة في أمن حوض المتوسط وتأمين الملاحة الدولية. وحتى إسرائيل لم يعد بإمكانها تجاهل ذلك الدور المتنامي لأوروبا في الشرق الأوسط. وقد يكون فشل الرئيس ترمب في الحصول على شريك عربي وازن يقبل بالمشاركة في خطة السلام هو ما شجع أوروبا على مغادرة مربع التردد وتحسس دور جديد لها، خاصةً بعد أن كانت الضحية الثانية لحالة عدم الاستقرار في الشرق الأوسط الناجم عن حالة التزاحم الجيو-استراتيجي.

كان غياب قاطرة الجر العربية الداعمة لخطة السلام نتيجةً طبيعية بعد أن أوكل الملف إلى جاريد كوشنر، وهو شخص لا يمتلك الخبرة السياسية أو العلاقات اللازمة داخل مؤسستي الخارجية والأمن القومي الأميركيتين، وافتراضه أن علاقاته الشخصية قد تمثل الرافعة اللازمة في تحقيق التوازن اللازم بين جميع الأطراف وتحقيق الاختراق المرجو في هذا الملف الشائك.

بادر وزير الدولة السعودي للشؤون الخارجية عادل الجبير من بودابست بتأكيد موقف المملكة العربية السعودية الثابت من القضية الفلسطينية وتمسكها بمبادرة السلام العربية.

ويجب أن لا يقرأ في ذلك بأبعد مما تحتمله القراءات إن لم نقل نفي الاتهامات الموجهة للكتلة السعودية بالتطبيع، وكذلك لم يكن هدف الإعلان هو إعادة ضبط حدود السقف الأدنى المقبول من الفلسطينيين والجامعة العربية. في حين أبدى أكثر من طرف عربي مرونة أكبر والقبول بسقف أدنى مما اتفق عليه في الجامعة العربية.

خطة السلام أو الإعلان عن تفاصيلها الآن لن تتجاوز ممارسة البلاغة السياسية بين واشنطن وتل أبيب، وإن أراد الطرفان تحقيق اختراق في هذا الملف، فكل ما يتوجب عليهما هو التراجع خطوة وقبل ذلك الاعتراف بالقدس الشرقية عاصمة لدولة فلسطين لضمان إطلاق عملية سلام حقيقية تضمن حقوق جميع الأطراف وقادرة على استقطاب الدعم العربي الوازن واللازم لإنجاحها.

وإن افترض الرئيس ترمب أو رئيس الوزراء الإسرائيلي أن الملف الإيراني كفيل بتحميله كافة اخفاقاتهما، فإن الديمقراطيين اليوم يطالبون بإلغاء الاتفاق النووي معها وإعادة صياغة آخر يضمن انصياعها للإرادة الدولية، وما اختيار المرشح الديمقراطي مايكل بلومبرغ هذا التوقيت للإعلان عن ذلك الا بقصد إخطار الطرفين أن هناك لاعباً جديداً على الساحة السياسية الأميركية، ويختلف عن بقية خصوم الرئيس.

التعليقات

شروط التعليقات
- جميع التعليقات تخضع للتدقيق.
- الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر سبام
- الرجاء معاملة الآخرين باحترام.
- التعليقات التي تحوي تحريضاً على الطوائف ، الاديان أو هجوم شخصي لن يتم نشرها

مقالات ذات صلة