مشاري الذايدي يكتب:
روسيا المستعربة بإسراف!
روسيا اليوم تكاد تكون دولة شرق أوسطية، عربية إسلامية، بسبب توغّلها المسرف في كل السوح العربية من سوريا إلى ليبيا.
روسيا البوتينية اليوم، لاعب رئيسي في القضية السورية، والقضية الليبية، والقضية الإيرانية، وغيرها من القضايا… لماذا حصل ذلك وكيف ومتى؟
الإجابة متشعبة في عمر الزمان القديم والحديث، ولا حاجة بنا للتذكير بأباطرة الروس الكبار، أيام ما كان أسلاف العرب والمسلمين يسمّون روسيا «بلاد المسقوف» من إيفان الرهيب إلى الإسكندر الأول ولاكاترينا العظيمة ولا نيقولا الأول والثاني، حيث كانت الأحلام الروسية بالوصول لمياه البحر المتوسط والسيطرة على مضائق البحر الأسود، والشعور بالمسؤولية الدينية الأبوية تجاه أرثوذكس العالم وحقوقهم في الأرض المقدّسة، فلسطين.
اليوم نجد سبباً حديثاً لهذا التمدد الروسي البوتيني، وهو سياسة الآفل الأميركي باراك أوباما التراجعية الانسحابية الرخوة، المغرية لذئب غابات التايغا الروسية، فلاديمير بوتين بالانقضاض… وقد كان.
لكن هل نجد سبباً آخر في هذه «الإلفة» الروسية للقضايا العربية الآسيوية منها والأفريقية؟ فيما كنت أستمتع بقراءة هذا الكتاب، وجدت هذا النص المثير، بلغة ذاك الزمان:
«نالت الروسيا مركزاً سياسياً ممتازاً في عهد إسكندر الأول، ولكنها بقيت رغم الثورة الفرنسية وحروب نابليون كأنها في قارة أخرى».
ونكمل معاً: «والواقع أن الروسيا كانت تعد بلاداً آسيوية أكثر منها بلاداً أوروبية، فهي لم تدخل في الجامعة الأوروبية إلا منذ استولت على بتروغراد وفنلندا ووارسو (بولندا) وكانت تختلف كثيراً عن أوروبا من حيث الحالة الاجتماعية، فبينما كان استرقاق المزارعين يتلاشى في أوروبا الغربية، كان لا يزال ثابت الدعائم في الروسيا، وبينما كانت أمم أوروبا تجدّ في إنشاء المصانع، كانت الروسيا تقتصر على الزراعة، وكانت الأراضي ملكاً للأشراف، والمزارعون ملكاً للأرض، أما الطبقة المتوسطة فمعدومة، وكان الإصلاح من الصعوبة بمكان، لانعدام الرأي العام، وللعزلة التي أوجدتها طبيعة البلاد». (من كتاب: تاريخ القرن التاسع عشر، وما يليه من حوادث حتى نهاية الحرب العظمى. تأليف محمد قاسم وحسين حسني. ص 152).
وهو بالمناسبة كتاب مرجعي بدأ مؤلفاه بالعمل عليه قبل ثورة 1919 وسافرا لهذا الغرض إلى عدة بلدان غربية، واعتمدا على مصادر أصلية وبحث شخصي، وصار الكتاب مرجعاً ضرورياً ومدرسياً، حتى إن لجنة الصناعة والتجارة المصرية، التي كان من أحد أعضائها إسماعيل صدقي باشا، أحد أبرز ساسة مصر في النصف الأول من القرن العشرين، اعتمدت على هذا الكتاب، ضمن مراجعها، في صياغة الوثيقة المصرية التي صارت بمثابة «دستور اقتصادي» للبلاد عدة عقود. كما قال مقدم الكتاب ومحقّقه طارق رضوان.
وعليه، فحين يحضر الروسي اليوم بغزارة وإسراف في المتون العربية والإسلامية، فربما هو: ليس غريب الوجه واليد واللسان!
الشرق الأوسط