فهد ديباجي يكتب:
الشعوب تُسْكِرها الشعارات
تبحث المجتمعات عن أصحاب الفكر المعتدل الفكر القويم والعقول النيرة والوطنيين سواء كانوا رجال دين أو باحثين أو مفكرين أو سياسيين ليقدموا للمجتمع الفائدة ولكي يساهموا في توعية وتثقيف الشعب ليبتعدوا بهم عن كل الشعارات الكاذبة أو المفاهيم الخاطئة المترسخة حتى نكسب طبقة جديدة من الأطفال والشباب تعي وتبني مستقبل المجتمعات، لا تساهم في هدمها وتعيشها في الوهم، لأن نجاح واستقرار المجتمعات والأوطان منوط بالتضحية، لا بتقديم المصالح الخاصة الضيّقة واللعب على الشعارات.
فلا نثق بأصحاب الشعارات الفضفاضة حتى نرى منهم عملا، ولا تغرنا العبارات الرنانة حتى تصير واقعا ملموسا، وحتى لا تكون هذه الشعوب مغيبة ومضحوكا عليها من أصحاب الشعارات البراقة، أعتقد أنه يجب أن نبدأ أولًا بحل ومعالجة القضايا الداخلية ثم نذهب لحل قضايا الأمة حتى نكون صادقين مع أنفسنا ومع شعوبنا.
على الشعوبي أن يعي أنه حين يركب القطار الخطأ عليه التراجع والنزول في أول محطة، لأنه كلما زادت المسافة زادت تكلفة العودة وزاد الوقت والجهد المفقود وزادت المخاطر وزاد فقدان الاتزان.
عاشت المجتمعات العربية والإسلامية في فترة مضت على عدد كبير من المتاجرين بالدين واستغلال المقدسات والتوظيف السياسي لقضايا الأمة، وتكاد لا تخلو قضية من "الشعبوية" واللعب على وترها في دغدغة عواطف الجماهير، واستغفال العقول، لا تنظر إلى نتيجة الطرح عمليا، المهم عندها تلميع الاسم وسماع تصفيق الجماهير بدلًا من حل القضايا ومغازلة الجماهير ومعاداة الفكر وممارسة الجهل عليهم، وهذه أكبر النتائج الكارثية للشعبوية .
جنون الشخص الشعبوي يجعله مُتغير المبادئ، مما يخرجه عن واقعه ليقدم خطابا عنتريا مُبهما وليس علميًّا، يميل إلى الحماس ليتماشى ويتطابق مع المزاج السائد بالتركيز على الأحلام الوردية وتبسيط الأمور في شكل مسرحي كرنفالي ثم باستحضار القصص التاريخية الأسطورية كوسيلة لتمرير الأيديولوجية والمصالح الخاصة .
الشعوبية لا تصنع سياسة ولا تقدّم حلولا ولا تُغير حالا، هي مرهم مُنتهي الصلاحية يُلطّف ما تبقى من جُروح، ويسعى لتسْكينها، هي سلاح الفاشلين والمتاجرين، تُسكر الشعوب وتهدم وتُسقط القضايا وتُميت الإحساس بالواقع وتُضلل المجتمعات وتُفقد التركيز، لنتجه نحو الغوغائية والهمجية والشكليات ولتزيد المهاترات والمزايدات والنضال المُزيف طلبًا للتصفيق.
ولأنها ببساطة تسفيه لقضايا الأمة لإقناع الشعوب بخلافها كما يحدث اليوم مع القضية الفلسطينية، ولأنها لن تحل قضية ولن تحرر بلدا ولن تُسقط عدوا ولن تُفيد الأمة، بل تزيدها سقوطا وخسرانا، وتجعلها تغرق في الشعوبية المستوردة المظلمة (الكهنوتية) بلا وعي أو إدراك .
هذه جريمة تاريخية لن تمحوها الذاكرة، لهذا وجب التصدي لمثل هذا الاستغلال الشعبوي لخدمة أجندات ومصالح سياسية خاصة، وهي واجب ووطني وبالذات من قبل كل النخب الفكرية والعلمية والشرعية والسياسية لنقدم إنجازا وحلولا حقيقية وعملية على أرض الواقع وليس على المنابر الإعلامية.
فالمصيبة الكبرى إذا اتّبع هذا النهج ليكون أقصى ما يُقدّم من قبل هذه النخب وليس العكس، فنصْف مشاكل الأمة اليوم سببها عنتريات شخصيات فارغة لبست ثياب لا تملكها وتطارد شعارات التحرير والقداسة والطهر ومحاربة الفساد وهي غارقة بها .
على الشعوبي أن يعي أنه حين يركب القطار الخطأ عليه التراجع والنزول في أول محطة، لأنه كلما زادت المسافة زادت تكلفة العودة وزاد الوقت والجهد المفقود وزادت المخاطر وزاد فقدان الاتزان