الحبيب الأسود يكتب:

"لويا جيرغا" ليبية لتفعيل دور سياسي للقبائل

تشكل القبيلة في ليبيا مركز الثقل في البلاد فهي المحدد لموازين القوة ولبوصلة الإجماع الداخلي، وإدراكا من زعماء القبائل لدورهم المركزي والمحوري في استقرار ليبيا، التقى في مدينة ترهونة، الخميس الماضي، حوالي 4000 من شيوخ أبرز القبائل في ليبيا وأعيانها ووجهائها، وشددوا على مقاومة كل أشكال الغزو الخارجي، وفي مقدمتها الغزو التركي، رافضين أيّ اتفاقيات تشكل خطرا على الأمن القومي الليبي.

 قررت القبائل الليبية، في خطوة لافتة، الإعلان عن تشكيل مجلس مشايخ وأعيان ليبيا واعتباره الجسم الشرعي والوحيد الممثل لكل القبائل الليبية. وتعتبر القبائل والمكونات الاجتماعية في كافة المدن والقرى والأرياف الليبية بمثابة صمام الأمان لترسيخ قواعد السلم الاجتماعي والضامن الأول لقيام دولة مدنية ديمقراطية مستقرة.

وسيكون للمجلس دور سياسي واجتماعي شبيه بدور «اللويا جيرغا» الأفغانية التي تمثل أغلب القبائل في البلاد، وكان لها دور مفصلي في أهم المنعطفات التاريخية بأفغانستان، ومنها ما جرى سنة 1747 عندما اجتمع وجهاء وشيوخ قبائل البشتون واتخذوا أحمد شاه دوراني مؤسس دولة أفغانستان قائدا لهم.

ورغم سقوط الملكية وقيام الدولة الحديثة على أسس شيوعية في سنة 1978 لم تفقد “اللويا جيرغا” دورها فانعقدت مرارا منذ ذلك الوقت. واجتمعت على سبيل المثال سنة 1985 لإقرار الدستور الذي جاء به حزب الشعب الديمقراطي الأفغاني والذي عمل على تثبيت دعائم الشيوعية، واستمر سلطانه إلى حين سقوط كابل في 1992.

وعام 2002 اكتسبت “اللويا جيرغا” أهمية وزخما دوليين حين عُقِدت في أفغانستان، واستطاعت إعلان الحكم الملكي إذ عُقد المؤتمر برئاسة الملك ظاهر شاه الذي أعلن في الاجتماع أن عودة الملكية غير ممكنة، ثم تكررت لقاءات “اللويا جيرغا” على نحو متكرر قبل أن يتفق الأفغان عام 2004 على دستور للبلاد، وإجراء انتخابات برلمانية لوحظت هيمنة قبلية عليها، إذ أصبح العديد من أعضاء البرلمان هم قادة قبائل.

استعادة المبادرة

وفق مصادر مطلعة، تتجه القيادات القبلية الليبية إلى تشكيل دورها السياسي خلال المرحلة القادمة من خلال مجلس شيوخ سيكون جزءا مهما إن لم يكن الأهم في المعادلة السياسية والاجتماعية.

ويعتبر المجتمع الليبي مجتمعا قبليا بتنويعات ثقافية متعددة، وترتبط قبائله بعلاقات مهمة في ما بينها، ما جعلها تنجح خلال مناسبات كثيرة في حل الخلافات الاجتماعية أكثر من نجاح السلط المركزية في ذلك.

وكانت قوى الإسلام السياسي وعلى رأسها جماعة الإخوان تحاول اللعب على وتر تاريخ الصراعات القبلية، ومواقف القبائل من النظامين الملكي والجماهيري لبث الفتنة والتفرقة بينهما، وهو ما فشلت فيه، خصوصا في ظل المصالحات التي شهدتها البلاد خلال السنوات الماضية.

ويشير مراقبون إلى أن دور القبائل في ليبيا مركزي لا يمكن الاستغناء عنه، وهو ما تأكد من خلال دعمها المباشر والمعلن للجيش الوطني في معركته ضد الإرهاب والجماعات المسلحة منذ إطلاق عملية الكرامة عام 2014.

موقف داعم للجيش

أعلنت أهم قبائل ليبيا موقفها الحاسم الداعم للقوات المسلحة. وطلبت خلال ملتقاها في مدينة ترهونة (80 كلم جنوب غرب طرابلس) من الأمم المتحدة سحب اعترافها بالمجلس الرئاسي لحكومة الوفاق في طرابلس. وطالبت المجتمع الدولي برفع الحظر المفروض على تسليح الجيش الليبي.

وبحضور حوالي 4000 من شيوخها وأعيانها ووجهائها، شددت القبائل على مقاومة كل أشكال الغزو الخارجي، وفي مقدمتها الغزو التركي، رافضة أيّ اتفاقيات تشكل خطرا على الأمن القومي الليبي، مؤكدة إصرارها على عدم قبول أيّ حوار أو هدنة قبل خروج كل القوات الغازية والمرتزقة من ليبيا.

وأعلن مؤتمر القبائل الليبية تفويض القوات المسلحة الليبية لسرعة حسم معركة تحرير طرابلس من قبضة الميليشيات الإرهابية، مؤكدا تمسك المشاركين فيه، بتحرير كامل التراب الليبي من قبضة التشكيلات المسلحة، في إشارة واضحة لموقف الفعاليات الاجتماعية المؤيد لمعركة الكرامة التي أطلقها الجيش ربيع 2014، ولمعركة طوفان الكرامة التي دشنها في الرابع من أبريل الماضي لتحرير العاصمة طرابلس من براثن ميليشيات حكومة الوفاق والجماعات المتحالفة معها من إرهابيين ومرتزقة.

البيان الختامي لمؤتمر القبائل الليبية دعا إلى تحريك قضايا دولية ضد الدول التي صنعت الفوضى وعلى رأسها قطر وتركيا

كما أكدت القبائل الليبية استمرار إغلاق المصارف والحقول والموانئ النفطية لحين تشكيل حكومة موحدة قادرة على حماية مقدرات الليبيين، مشددة على ضرورة وضع حد للعبث بمؤسسات الدولة المالية وعلى رأسها مصرف ليبيا المركزي والاستثمارات الخارجية.

وكان مجلس قبائل حوض النفط والغاز قد بادر منذ الـ17 من يناير الماضي بغلق الحقول والموانئ النفطية بالمنطقة الشرقية، قبل أن تلتحق بها القبائل والفعاليات الشعبية في مختلف أرجاء البلاد، ليصل حجم الخسائر منذ ذلك الحين إلى حوالي ملياري دولار، وفق المؤسسة الوطنية للنفط.

ووضع المجلس شروطا من أجل فتح حقول النفط أهمها، تحرير طرابلس من الميليشيات والمرتزقة السوريين والأتراك، والتوزيع العادل لإيرادات النفط على كافة المدن والمناطق الليبية، مشددا على ضرورة نقل مصرف ليبيا المركزي والمؤسسة الوطنية للنفط إلى مدينة بنغازي.

وقال المجلس إنه مستمر في إغلاق الحقول النفطية الواقعة في نطاق مدن جالو وأوجلة وأجخرة ومرادة وزلة وتازربو والكفرة، مجددا “دعمه اللامحدود لقوات الجيش الوطني في حربها على كافة التشكيلات المسلحة والمجموعات الإرهابية المغتصبة للسلطة بطرابلس”.

وفي ردها على هذا الموقف، اتجهت حكومة فايز السراج إلى المجتمع الدولي للاستعانة به في الضغط على القبائل وكذلك للقيادة العامة للجيش لإعادة فتح الحقول والموانئ النفطية ولكن دون جدوى.

قضايا دولية

كشف البيان الختامي لمؤتمر القبائل الليبية في ترهونة عن تحريك قضايا دولية ضد الدول التي صنعت الفوضى وعدم الاستقرار في ليبيا وعلى رأسها قطر وتركيا. كما حذرت القبائل من أيّ محاولة لتوطين الإرهابيين في طرابلس ومن كل ما يدور في ظل حكم الميليشيات من إهدار للمدخرات ومن تهجير للسكان المحليين وخطف على الهوية، معتبرة أن “صناع الإرهاب” اتخذوا من المدن الليبية ملاذا لهم ومركزا لتنفيذ مخططاتهم التدميرية وممرا آمنا للمتاجرة بالبشر بسبب حكم الميليشيات المؤدلجة.

وشدد البيان على أن المصالحة الوطنية الشاملة أساس بناء العلاقة الوطنية لتضميد الجراح وجبر الضرر لخلق وئام اجتماعي وضمان وحدة الدولة ومؤسساتها.

وحول المحادثات التي تحتضنها عدة دول، أكد المشاركون على رفض أيّ حوارات قائمة بين الليبيين بما فيها حوار جينيف القائم برعاية الأمم المتحدة ما لم يتم الرجوع إلى الليبيين باعتبارهم المعنيين بأيّ نتائج لهذه الحوارات.

كما خيمت أجواء المصالحة الوطنية على الملتقى من خلال طي صفحة الخلاف بين قبائل الجنوب الليبي والذي بلغ مستوى الاحتراب الأهلي، حيث عقدت وفود قبائل أولاد سليمان والقذاذفة اجتماع مصالحة مع وفود قبائل التبو، بمبادرة من الشيخ صالح الفاندي شيخ أعيان ترهونة، وبحضور جميع وفود القبائل المشاركة في الملتقى.


وتم خلال الاجتماع التوقيع على ورقة بيضاء من قبائل الجنوب، في إشارة إلى المصالحة وتجاوز صراعات السنوات الماضية. وأكدت مصادر قبلية أن المصالحة بين القبائل والمدن الليبية تحتل مكانة مهمة على رأس اهتمامات الفعاليات الاجتماعية التي تسعى إلى تجاوز الماضي وفتح أبواب الأمل مع ليبيا الواحدة والموحدة.

وقال الشيخ صالح الفاندي، رئيس مجلس أعيان ومشائخ ترهونة، إن المصالحة مع مدينة مصراتة قادمة بعد الانتهاء من تحرير البلاد من الميليشيات المسلحة، لافتا إلى “أن ترهونة هي مصراتة ومصراتة هي ترهونة ولا شيء يفرق بين أبناء الوطن الواحد”.

وتابع أن الملتقى جمع كل الأطياف الليبية من الشرق والغرب والجنوب، نافيا ما تناقلته بعض وسائل الإعلام بأن اللقاء يخص فئة معينة من الليبيين.

كما أشار إلى أن “الحاضرين في الملتقى الوطني يمثلون 99 في المئة من فئات المجتمع، إلى جانب ممثلين من الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي، وأن كلمتهم واحدة وهي أنه لا بد من تحرير كامل البلاد والوقوف في صف القوات المسلحة”، لافتا إلى “أن هذا الملتقى ليس ضد مدينة أو أشخاص، لكن هدفنا هو تحرير الوطن وذلك بفضل تجمّع كلمة الليبيين من الشرق والغرب والجنوب وكل القبائل، وأي قبيلة تريد الحضور فالباب مفتوح للجميع للوقوف يدا واحدة ضد الاستعمار التركي”.

ويجمع أغلب المراقبين على أن الدور القبلي سيكون حاسما خلال المرحلة القادمة في توفير الغطاء الاجتماعي للمصالحات المنتظرة مع المدن التي لا تزال تحت سيطرة الميليشيات مثل مصراتة والزاوية وطرابلس، كما سيكون مؤثرا في تشكيل النظام القادم وفق المعطيات الاجتماعية الثابتة والمتحولة وضمن إطار خال من الإقصاء.