رشيد الخيُّون يكتب:

معجم الغاف.. لكلِّ بلدٍ شجرته

صدر حديثا للباحث سُلطان العميمي “معجم الغاف”، وجزء من معجم واسع في اللهجة الإماراتية. أما الغافة فشجرة اعتبرت رمزا للبيئة في دولة الإمارات، ما كنتُ أتوقع أن للغافة كل هذه الأسماء، وملحقاتها، مِن الرِّمال والتلال وواحات الماء، وأجزاء الشّجرة نفسها، ولأنها معروفة على طول وعرض الإمارات، وصديقة الإنسان، اتخذت رمزا للتسامح، في عام التّسامح (2019).

كانت النّخلة بالعراق رمزا وسيدة للشجر، قال فيها الجواهري (ت1997) “سلام على السّعفات الطوال/ على سيد الشّجر المجتنى” (قصيدة المقصورة)، وقال فيها المعري (ت449هـ): “شربنا ماءَ دجلةَ خير ماء/ وزرنا سيد الشَّجر النّخيلا” (سقط الزَّند). كذلك تُعد للبنان شجرته الرّمز شجرة الأرز، حتى نقشت في العلم، وورقة الاسفندان أصبحت رمزا في العلم الكندي. كذلك لشجرة دم الأخوين بجزيرة سقطرى، واللبان بعُمان، ومنها أجود أنواع البخور، منزلة بين الأشجار.

أما الإماراتيون فعدّوا شجرة الغاف رمزا، تمتاز بارتفاعها، وظلها الوارف، ومن أوراقها الغذاء للبشر والإبل، ومن خشبها الوقود، ووجودها دليل للتائهين، وأغصانها مفضلة لدى طير الحمام، حيث يبني أعشاشه. لذا تُعدّ الغافة “أكثر شجرة محلية تحمل أسماء عدة، ذات خصوصية” في بيئتها.

عندما وقع نظري على معجم الغاف، قلت: من أين يأتي مؤلفه بنصوص ومفردات كي يغطي بها أكثر من ثلاثمئة صفحة؟ لكنّ وجود هذه الشجرة منذ القديم جعل الشعراء يخصونها مثلما خصوا النَّخلة والأرك والغضى. يقول امرؤ القيس “يَقطعُ الغاف بالخصين ويُشلي/ قد علمنا بمَن يُدير الرّبابا”، وقال ذو الرمّة “إلى ابن أبي العاص هشام تعسفت/ بنا العيس من حيث التقاء الغاف والرّمل” (من المعجم)، وهناك رابطة بين الغافة والرّمال، حتى ائتلفت أسماء كثبان الرِّمال بأسماء الغاف.

مُنع قلع شجرة الغاف والعبث بها، مِن قبل المخيمات التي تُضرب في الصحراء، بل ومنع قلع أي شجرة، لأجل مدّ طريق أو تشييد بناء، فلا بد أن يؤخذ بنظر الاعتبار وجودها، وتطويع الطرق أو الأبنية حولها. كان هذا وراء تكاثر الأشجأر، والغاف أولها، وتكاثر الطُّيور، فتحريم قتلها أو صيدها جرائم لا تغتفر، هذا، والبيئة تؤكد: لا طيور بلا شجر ولا شجر بلا طيور.

ذكرني “معجم الغاف” للعميمي، الثري بمادته المعجمية والأدبية لكثرة ما حواه من الشعر والأمثال وتجارب الناس، بمعجم “النخيل” لعبدالهادي الفكيكي (2013)، الذي جاء شاملا بكل ما يتعلق بالنَّخلة.

أقول: ليت الدُّول كافة جعلت أعلامها كلبنان وكندا منقوشة بأبرز أشجارها، خالية من رسوم عقائدية من غير بيئتها، فلكلِّ بلد شجرته الرّمز.