رشيد الخيُّون يكتب:

الملامة في أحوال العمامة

كثرت ملامة العِمامة، بعد استلام أصحاب العمائم السُّلطة بإيران، ففي الوقت الذي كان فيه لقب “الملا” يتداول للتقدير، ويشار به إلى قارئ المنبر والمعلم، صار جمعه “الملالي”، يشار به للنبز والتقليل مِن الشأن، فلا تجد مؤيدا لسلطة المعممين يسمي ساستها بالملالي، ولا تجد خصماً يُشير إليهم بغير ذلك!

كذلك جدّ الحديث عن العِمامة والمعممين، وانتقادهم بالعراق بعد (2003)، فمِن على منابر المساجد والحسينيات، وخصوصا في مواسم الانتخابات، أخذوا يتلاعبون بالمزاج العام حسب أهوائهم، ويقودون الجماعات المسلحة، مع الإفتاء بالكراهية والقتل. مِن طراز عمامتي صاحب “الجكليتة”، وصاحب “النستلة”، أحدهما يشع من تحتها الجهل والأخرى تبث الكراهية والجهل معا. لكن بقاء الحال مِن المُحال، لذا قال العراقيون “منا لباجر ألف عمامة تنكَلب (تنقلب)”!

فعلى ما يبدو، أن الدُّخول في السِّياسة المباشرة، وإدارة آلة السلطة، أصاب معتمر العِمامة بالملامة، فما كان النَّاس يحملونه للسُّلطة الدنيوية مِن مساوئ صار يُحسب على أصحاب العَمائم؛ لكن بالتأكيد ليس أصحاب العمائم كافة.

وردت أخبار العمائم في كتب التَّاريخ والتُّراث، عن ألوانها، وطرزها، وطرق اعتمارها، ثم بداية اختصاص القضاة والفقهاء وأهل الشَّأن بها، لكن عِمامة الحجاج بن يوسف الثَّقفي (ت 95 هـ) اشتهرت في البيت الذي هدد به أهل العراق، عند ولايته عليهم (75 هـ) “أَنَا ابنُ جَلَا وطَلَّاعُ الثَّنَايَا/ متَى أضَعِ العِمامَةَ تَعرِفُوني”، مع أن البيت لسُحَيْم بن وَثيل الرِّياحي (ت 60 هـ)، لكن لا أحداً يذكر سُحَيْماً بشيء.

ربَّما أتى كتاب أبي المحاسن بن المُبرد (توفي 1504) “دفع الملامة في استخراج أحكام العمامة” موسوعة لأنواع العمائم وأشكالها، والأحاديث التي وردت فيها، وبينها طراز العِمامة “الفاسقية”، والتي لا يُحنك معتمرُها بقطعة متدلية منها. ممكن أن يُذيل هذا الكتاب بأخلاق أهل العمائم، وكيف منهم مَن جعل العِمامة رمزاً لاستغفال النَّاس، والشاهد على ذلك سلوك بعضهم المشين في زمن “كورونا”!

رأيت معتمراً عِمامةً بيضاء بأربيل غلفها بغلاف مِن النَّايلون، استأذنته بالسؤال عن ذلك، فقال: لحمايتها مِن المطر، وليس في الشَّرع ما يمنع مِن ذلك! على ما يبدو ستنقل تجربة هذا الرَّجل إلى العمائم التي تتجول في طرقات أوروبا، حيث المطر المتواصل، فلما سألت أحدهم لماذا تضع عمامتك في كيس، عندما تقصد مناسبة من المناسبات، قال أخشى عليها من المطر، وتجفيفها يحتاج لحلها، والشَّمس هنا نادرة السطوع، وقد علمت مِن أصحاب عمائم أن الكثيرين منهم يجهلون شدها، مع أنها منصوبة على رؤوسهم لعقود مِن الزَّمن!