الحبيب الأسود يكتب:
"عصبة الثائرين".. علامات تطور دور إيران في العراق
التنظيم الجديد الذي تبنّى قصف المواقع الأميركية في بغداد، وأعلن عن نفسه بعد استهداف معسكر التاجي الذي أدى إلى مقتل جنديين أميركيين وثالث بريطاني، والذي اختار لنفسه اسم “عصبة الثائرين” مع شعار البندقية وقبضة اليد، يطرح الكثير من الأسئلة لعل أبرزها هل هو نتاج تحول أو تطور لجين الإرهاب الإيراني في العراق؟
الفرضية الأولى تقول إن الميليشيات الشيعية العراقية المتشددة المرتبطة بإيران مثل حزب الله وعصائب أهل الحق وحركة النجباء وفيلق بدر، هي التي تقف وراء تشكيل “عصبة الثائرين” وتزويدها بالسلاح والمسلحين لتنأى بنفسها عن نتائج العمليات المعادية للحضور الأميركي، خصوصا وأنها تعتبر جزءا من النظام الطائفي القائم سواء من حيث الحضور الحكومي والبرلماني، أو من خلال ميليشيات الحشد الشعبي التي تحظى لا فقط بالاعتراف الرسمي، ولكن كذلك بالتمويلات المجزية والغطاء السياسي والقانوني والدمج في أجهزة الدولة على شاكلة ما يحظى به الحرس الثوري في إيران.
كما أن تشكيل العصبة يهدف إلى إبعاد السلطات المركزية عن دائرة الحرج مع الولايات المتحدة، بزعم أن لا دور للميليشيات الناشطة تحت الغطاء الحكومي في استهداف مواقعها، وهو ما يعني أن قرار إخراج الأميركان من العراق تم اتخاذه بشكل نهائي من قبل إيران، وأسندت مهمة التنفيذ للجماعات الشيعية المسلحة والمتشددة، التي ما كانت لتتشكل على أرض الرافدين ولا أن تصل إلى ما وصلت إليه من قوة وعنجهية وإمكانات ونفوذ لولا الاحتلال الأميركي الذي جلب أتباع نظام الملالي على دباباته، وسلم لهم مقاليد الحكم ومفاتيح الثروة على طبق ملطخ بدماء العراقيين.
ولا شك أن بيان التنظيم الجديد يدلّ على هويته، فهو يعلن بكل وضوح أن ضرباته الأولى تأتي للرد على اغتيال واشنطن نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي أبي مهدي المهندس، وقائد قوّة القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني ورفاقهما، في محيط مطار بغداد مطلع العام الجاري، مؤكداً أن عملياته ستأخذ “مسارا تصاعديّاً ينتهي بجلاء قوات الاحتلال”.
الفرضية الثانية ترجّحُ أن تكون إيران تجاوزت الميليشيات ذاتها بعد أن نجحت في تشكيل خلايا نشطة من داخلها، وأن هناك تطورا لدور إيران في العراق لا يستهدف فقط الحضور العسكري الأميركي ولكن مصالح واشنطن وحلفائها، ويعمل على قلب المعادلة السياسية في البلاد، بما يمنح سلطات طهران ورقة للضغط على واشنطن قبل رئاسيات نوفمبر القادم، أساسها مقايضة التهدئة في العراق مقابل العودة إلى المفاوضات حول برنامجها النووي وإلغاء العقوبات المسلطة عليها وإطلاق يدها للاستمرار في مشروعها التوسعي بالمنطقة.
كما أن إطلاق إيران للتنظيم الجديد في هذا الوقت بالذات، يحاول أن يرفع من معنويات داخلها المفجوع بوباء كورونا، بعد أن فشل الخطاب الديني الذي يتبناه النظام في تهدئة النفوس، فالمصاب جلل والخسائر فادحة، والنظام شبه عاجز عن تطويق الانتشار السريع للفايروس، ومعنويات الشعب منهارة وانتفاضة الشباب قائمة، بما يشكل، وفق المراقبين، أزمة عاصفة قد لا تنتهي إلا بنهاية حكم الملالي.
وبالنظر إلى اسم التنظيم الجديد تمكن ملاحظة الإشارة إلى مفردتيه وأولها “عصبة” وهي الجماعة من الأفراد أو الدول، وأصلها في اللغة قرابة الرجل من المتعصّبين له، وفي الفقه هي القرابة من الذكور، وأما مفردة “الثائرين” فمفردها الثائر أي الذي لا يُبقي على شيء حتَّى يدرك ثأرَه، وهي لم تكن مستعملة لدى القوى الميليشياوية، عكس مفردات الجهاد والمقاومة، غير أنها قد تكون محاولة لتعويم ثورة أكتوبر التي لا تزال حية رغم كل الإجراءات الاحترازية للتوقي من فايروس كورونا، بزعم “العصبة” أن لا ثورة إلا الثورة ضد الاحتلال الأميركي، أو إحالة على الثورة الإسلامية بوجهها الإيراني، أو كذلك محاولة من التنظيم بإعطاء نفسه بعدا يتجاوز محليته العراقية، وهو ما يؤكده اعتماد شعار قبضة اليد الذي ظهر مع بداية الثورة الشيوعية في روسيا عام 1917، وانتشر في أغلب دول العالم، وتبنته ثورة الخميني عام 1979، واستعملته الميليشيات التابعة لإيران بما فيها حزب الله اللبناني، في إشارة إلى القوة والسيطرة والاتحاد والتضامن وبأن التغيير الحقيقي لا يكون إلا بالعنف الدموي.
في كل الحالات لا يمكن فصل “عصبة الثائرين” عن مشروع إيران الهادف بالأساس إلى وضع اليد على العراق، رغم الرفض الشعبي المتزايد الذي عبرت عنه المناطق الشيعية في ثورتها ضد الطائفية والفساد ونظام الحكم القائم والميليشيات المرتبطة بنظام الملالي، وقد لا يكون مستبعدا أن هذه العصبة التي تقول إنها تقاوم الاحتلال الأميركي، هي التي نفذت سلسلة الاغتيالات ضد الناشطين من الثوار الحقيقيين خلال الفترة الماضية، وهي التي قد تباغت الجميع باغتيالات سياسية، فكل شيء جائز، ففايروس الإرهاب الإيراني لديه القدرة على التحول والتطور الجيني بما يساعده على اختراق النسيج الاجتماعي اعتمادا على خلاياه النشطة وخاصة في الدول التي يراهن على تبعيتها لمشروعه.