د. ياسين سعيد نعمان يكتب:
عِبَر من التاريخ
"تولى أبو عبيدة حكم الشام فمات بالطاعون، ثم تولى معاذ فمات بالطاعون، ثم تولى عمرو بن العاص، وكان الطاعون قد فعل في الناس فعلاً عظيماً، فخطب فيهم وقال:
إن الطاعون كالنار المشتعلة وأنتم وقودها، فتفرقوا وتجبلوا (أي لوذوا بالجبال) حتى لا تجد النار ما يشعلها فتنطفئ وحدها، فلما سمعوا واستجابوا انحسر الوباء وتراجع، ورفع البلاء عن الناس".
وفي الأثر: الوقاية خير من العلاج.
* * *
وهذه الايام كتب لي صديقي من إحدى المدن الأوروبية يقول:
تنبعث رائحة الموت من قلب المدينة، وشوارعها، وأزقتها، وكل ركن ومتجر فيها..
المدينة التي كانت منذ أيام قليلة شعلة حياة لا يتوقف صخب موسيقاها ورطانة الوافدين إليها من أرجاء العالم بلغات تتداخل للسامع مع بعضها لتبدو وكأنها نوتة موسيقية تصنع على عجل، وهم بثقافاتهم المتنوعة وسحناتهم وصفحات وجوههم التي تعكس لوحة بشرية تنبض بحياة لا يكدرها ألم أو خوف، يتجمعون وينتشرون ويتحركون في كل اتجاه..
غاب هذا المنظر عن المدينة وغدت مدينة أشباح.. انتهت رسالة صديقي..
نعم أصبح الخوف يختزل المسافة بين الحياة والموت، وقد كانت تبدو شاسعة حتى أيام قليلة..
لم أجد ما أرد به على صديقي غير بعض ابيات منتقاة من قصيدة المعري الشهيرة:
غير مجد في ملتي واعتقادي
نوح باك.. ولا ترنم شاد
وشبيه صوت النعي.. إذا
قيس بصوت البشير في كل ناد
أبكت تلكم الحمامة، أم
غنت على فرع غصنها المياد
....
واسأل الفرقدين عمن أحسا
من قبيل وآنسا من بلاد
كم أقاما على روال نهار
وأنارا لمدلج في سواد
تعب كلها الحياة.. فما
أعجب إلا من راغب في ازدياد
...
ضجعة الموت رقدة يستريح
الجسم فيها.. والعيش مثل السهاد
قد أقر الطبيب عنك بعجز..
وتقضى تردد العواد.