فاروق يوسف يكتب:
يوم لن ينفع الكذب السياسي أصحابه
في الماضي كان هناك شعور لدى مواطني بعض الدول العربية بأن الأنظمة السياسية الحاكمة تكذب حتى وإن تعلق الأمر بنشرة الأحوال الجوية.
شيء من السخرية ممزوج بواقع ملفق هو انعكاس لمسعى لا معنى له لتزوير الحقيقة واللعب بمفرداتها، خشية أن تكون تلك الحقيقة مفتاحا لفضيحة سيكون التستر عليها أمرا صعبا.
كان التضليل حلا مريحا بالنسبة للحاكم، يغنيه عن التعرض لصداع مساءلة متخيلة لن يقوم بها المحكوم. ذلك لأن صوت الشعب لن يكون أعلى من ضجيج الماكنة الإعلامية الرسمية التي كانت تحتكر الفضاء كله من غير منافس.
اليوم تغير العالم ومعه تغيرت سبل الاطلاع على المعلومات. لا يزال التضليل قائما، غير أنه يحتاج في هذا الزمن إلى عقول فائقة الذكاء وتقنيات متقدمة من أجل أن لا يتحول الكذب إلى مصدر مبتذل للسخرية والاستهجان.
فالفضيحة ممكنة في أية لحظة. هناك خفة في التقاط المعاني الخبيئة هي في متناول كل إنسان بغض النظر عن موقعه في المجتمع. لم تعد الملفات حكرا على أصحابها. صار الوصول إلى أكثر الملفات سرية وتعقيدا أمرا ممكنا. وما فعله "ويكيليكس" يمكن أن يكون مقياسا مشجعا لما صار ممكنا.
السياسيون يكذبون. تلك عاهة وعادة وهي تقليد. غير أن الأكاذيب السياسية صارت اليوم عبارة عن فرقعات مؤقتة، لا يُكتب لها النجاح دائما. في المجتمعات القوية والمتمنكة بوعي من معرفة ما يجري من حولها هناك نوع من الشفافية يدفع بالسياسيين إلى الاعتزال إذا ما انزلقوا إلى التضليل في الدفاع عن مشاريعهم الفاشلة.
غير أن شعوبا محكومة من قبل أنظمة لا تعترف بتحولات العقل البشري لا تزال تقع تحت تأثير التضليل الذي تمارسة ماكنة اعلام محلية عمياء هي الأكثر اطمئنانا إلى أنها لن تتعرض للمساءلة مهما كذبت.
في ظل كابوس كورونا بدأت الصين في الكذب. تبعتها إيران ودول مثل العراق ولبنان وسوريا واليمن. كان ذلك متوقعا غير أن نتائجه هذه المرة كانت مدمرة على المستوى العالمي.
فعلى سبيل المثال فإن إيران كانت قد صدرت الفيروس اللعين إلى دول الخليج قبل أن تعلن عن ظهور اصاباته بين مواطنيها. تلك كانت جريمة لا يمكن غض النظر عنها. وهي تختلف عن الجريمة التي ارتكبتها الأحزاب الإيطالية حين قللت من خطورة الفيروس في خضم صراعاتها السياسية.
إيران هي نموذج سيء لما يمكن أن يكون عليه الحال في دولة، يكذب نظامها السياسي على مواطنيها. لذلك كان متوقعا أن تقع الدول التي تدور في فلكها في فخ الكذب من أجل اخفاء حقيقة ما يقع، بالرغم من أن كل شيء سيكون جليا وأن أية محاولة لإخفائه لن تنجح.
فالعراق الذي يحكمه نظام تابع لنظام الملالي ليس مؤهلا لمواجهة مشكلة صحية جماعية صغيرة، ذلك لأن القطاع الصحي فيه منهار بشكل كامل، فكيف به إذا ما تعلق الأمر بوباء من نوع كورونا. ما فعله رجال الدين كان هو الممكن الوحيد في ذلك البلد. لقد دعوا إلى زيارة الأئمة والتضرع الجماعي في مراقدهم من أجل أن يضع الله نهاية لتلك المأساة.
تلك كذبة سعى السياسيون هناك إلى تمريرها في محاولة لكسب الوقت.
ولكن الحقيقة لا يمكن اخفاؤها. العراق الذي تم افقار شعبه هو في حقيقته ليس بلدا فقيرا. وهو إذ يواجه الكارثة فارغ اليدين فما ذلك إلا انعكاس لسياسات اعتمدت الفساد منهجا في السطو على المال العام باعتباره غنيمة لأحزاب، كان امتيازها الوحيد أنها غزت العراق مع الدبابات الأميركية.
لذلك فإن الأرقام التي تسجلها وزارة الصحة العراقية لعدد المصابين بكورونا والوفيات لا يمكن ان تكون حقيقية. لا لشيء إلا لأن تلك الوزارة لا تملك ما يؤهلها لكي تكون مرجعا في ذلك. لا مستشفيات في العراق ولا محاجر صحية. يموت الناس هناك في بيوتهم بعد أن يكونوا قد نقلوا العدوى إلى عشرات من أقربائهم.
يوما ما سيكتشف العالم أن أنظمة سياسية بعينها قد خدمت الوباء ونشرته من خلال أكاذيبها. كان النظام الإيراني مثالا سيئا في ذلك المجال.