صالح القلاب يكتب:

لولا الحسابات الخاطئة لانتهى «كورونا» في الصين!

عندما يدعو الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، إلى وقف لإطلاق النار في أنحاء العالم كلّه من أجل التفرغ لما وصفه بالمعركة المشتركة ضد وباء «كورونا» الذي يوصف أيضاً بـ«كوفيد - 19»، ويؤكد أنّه يجب أنْ تكون هناك معركة واحدة فقط في عالمنا اليوم ضد هذا الفيروس القاتل، ثم يبادر إلى التنويه بأنه في العديد من الحالات الأكثر خطورة لم نشهد أي وقف للقتال، لا بل إن الصراعات قد تواصلت وأنها قد ازدادت حدةً عمّا كانت عليه سابقاً فإنّ هذا يعني، وكما قال، أن الأسوأ لم يأتِ بعد حتى في الدول التي لم تشهد نزاعات وصراعات حتى الآن!

وبالطبع، وكما أشار غوتيريش إليه، فإنّ هناك ودائماً وأبداً مسافة واسعة وكبيرة بين الأقوال والأفعال، وأنّ التصريحات سهلة لكنّ هناك صعوبات هائلة في تنفيذها، وأنه بالإضافة إلى الدول الملتهبة الآن باقتتال لا يزال متواصلاً ومحتدماً ولم يتوقف ولو للحظة واحدة فإنّ الأسوأ هو أنّ الدور قد اقترب من دول أخرى مثل الكاميرون وجمهورية أفريقيا الوسطى وكولومبيا وميانمار والفلبين وجنوب السودان وأوكرانيا.

ولعلّ ما هو أكثر أهمية بالنسبة إلينا كعرب هو أنّ إيران قد اقتربت لحظة انفجارها واشتعالها بحرب أهلية إنْ هي اشتعلت فإنها ستكون مدمرة بالفعل وأنها ستأخذ أشكالاً متعددة أخطرها أن التركيب السكاني لهذا البلد فسيفسائي وأنه يتكون من قوميات متعددة كالفرس والآذاريين والكرد والعرب والبلوش والتركمان واللور، وأيضاً من مذاهب وأديان كثيرة كالمسلمين الشيعة والسنّة والمسيحيين الأرمن والآشوريين واليهود على قلّتهم.

والمعروف أنّه لدى معظم هذه المكونات القومية كالأكراد واللور والعرب، والبعض يقول والبلوش أيضاً، نزعة استقلالية، وأنها قد دأبت على إشغال الدولة الإيرانية التي تتحكم فيها فعلياً وعملياً الأكثرية الفارسية بصراعات جانبية قد اتخذت، إنْ في المرحلة الشاهنشاهية وإنْ في المرحلة الخمينية بعد عام 1979، أشكالاً عسكرية.

وهنا وبما أنّ المقصود بدعوة أنطونيو غوتيريش لوقف إطلاق النار في العالم كله من أجل التفرغ للمعركة المشتركة ضد وباء «كوفيد - 19» فعلاً هو هذه الحروب العربية – العربية، أي الحرب في اليمن بين الحوثيين والشرعية والحرب الليبية والحرب السورية، فإنّه لا بد تأكيد أنّ هذه المواجهات أو الحروب المشار إليها آنفاً أكثر تعقيداً مما يظنه الأمين العام للأمم المتحدة، وأنّ القرار في هذا المجال ليس في أيدي الجهات أو التنظيمات والجيوش المتقاتلة بل في أيدي الذين يقفون خلف الستار والجهات صاحبة المصالح في حروب هذه الدول المشار إليها آنفاً... والبعض يقول ودول أخرى سيأتيها الدور إنْ قريباً وإنْ بعيداً.

فحرب «الحوثيين» في اليمن هي حرب إيرانية من أوّلها إلى آخرها، فإيران التي كانت تخطط للهيمنة على سوريا والعراق ولبنان أيضاً والمشرق العربي كله، قد بادرت إلى تحقيق هدف ما سمّته «الهلال الشيعي» الذي ينطلق أحد طرفيه من اليمن ويمر بجزء من شرق المملكة العربية السعودية ثم يخترق بعض دول الخليج العربي وصولاً إلى العراق وسوريا على شواطئ البحر الأبيض المتوسط ومع الهيمنة على لبنان انطلاقاً من ضاحية بيروت الجنوبية.

وبالطبع فإنّ اعتراض المملكة العربية السعودية لتنفيذ هذا المخطط الخطير قد حال دون إنجازه، لكنّ إيران كما هو واضح لم تتخلّ عن الإصرار على هذا الهدف؛ فهي بعد سيطرتها على العراق وعلى جزء من سوريا وعلى دمشق وقرارها وعلى لبنان وقطاع غزة فإنها لم تتوقف عن محاولات سيطرتها على الخليج العربي والوصول إلى باب المندب ووضع أقدامها في مياه البحر الأحمر الذي من المفترض أنه بحرٌ عربي تشارك فيه مصر والأردن والسعودية والسودان واليمن.


ولعلّ ما يجب أخذه في عين الاعتبار أنّ إيران ومن أجل تحقيق «هلالها» الآنف الذكر قد تمكنت من اختطاف إمارة قطر من تحالف الخليج العربي ومن المجموعة العربية كلها، ثم هناك بالإضافة إلى الجيوش التركية الجرارة وجودٌ عسكري واستخباري إيراني في هذه الدولة التي يصر شعبها ويصر العرب كلهم على أنها دولة عربية.

إنّ هذا بالنسبة لهذه الحرب التي أُعطيت اسم «الحوثيين» وهي حرب إيرانية، فـ«الحوثيون» هم مجرد واجهة لإيران، والشعب اليمني وفي مقدمته أتباع «المذهب الزيدي» ضد إيران، وضد مشاريعها التمدّدية في العالم العربي.

أمّا الحرب الثانية فهي الحرب الليبية، بين الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر وبين فائز السراج حاكم طرابلس الليبية ورئيس حكومة الوفاق التي صاحبها الفعلي هو الرئيس التركي رجب طيب إردوغان الذي «صدّر» إليها أعداداً تقدر بالألوف من المرتزقة والإرهابيين الذين معظمهم من السوريين وللأسف.

وحقيقة، إنّ أوضاع ليبيا لا تزال شائكة ومعقدة بسبب كثرة التدخلات الخارجية فيها، إذ إنّ المؤكد أنّ الأمين العام للأمم المتحدة يعرف أنه عندما يحضّ على وقف «شامل» للقتال في هذا البلد العربي من أجل ما عدّه «التفرغ للمعركة المشتركة ضد وباء (كوفيد - 19) القاتل» فإنّه يدرك تماماً أنّ هذا الطلب لا يمكن تحقيقه ما دامت أوضاع «جماهيرية القذافي» السابقة هي هذه الأوضاع المعقدة.

ثم وبما أنّ المشير حفتر وبالاتفاق مع مسانديه العرب لديه استعداد للاستجابة لطلب الأمين العام للأمم المتحدة ولدعوته بأنْ تكون هناك معركة واحدة في عالم اليوم هي المعركة المشتركة ضد «كوفيد - 19»، فإن المشكلة أنّ من هو على الطرف الآخر ليس فائز السراج وإنما رجب طيب إردوغان الذي كان قد أعلن أن هذا البلد العربي كان تابعاً للدولة العثمانية وجزءاً من أملاكها، وهكذا فإنه الأولى به ما دام أنه عثماني والوريث للإمبراطورية العثمانية.

ويبقى أن أنطونيو غوتيريش، مع التقدير والاحترام له، يبدو انه ارتكب خطاً بالفعل عندما أدرج سوريا في مجموعة الدول التي دعا إلى وقف شامل للقتال فيها من أجل التفرغ لما سمّاه المعركة المشتركة ضد وباء «كوفيد - 19»، فالتعقيدات في هذا البلد أكبر كثيراً من التعقيدات آنفة الذكر إنْ في ليبيا وإنْ في اليمن، فهذا البلد ممزقٌ ويخضع لاحتلالات وتدخلات متعدّدة وكثيرة: التدخل الروسي والاحتلال الإيراني والاحتلال الإسرائيلي والاحتلال التركي والتدخل الأميركي، هذا بالإضافة إلى احتلال الشراذم الإرهابية المتطرفة. والأخطر هو أن بشار الأسد ليس صاحب قرار في هذا البلد حتى يستجيب لدعوة الأمين العام للأمم المتحدة ويأمر بوقف شامل للقتال والاقتتال وكل هذه الحروب المتعددة في سوريا.

وهكذا ما دامت أوضاع اليمن، والمقصود هنا هو الجزء الذي يسيطر عليه «الحوثيّون» اسماً والإيرانيون فعلاً هي هذه الأوضاع، وأوضاع ليبيا وأيضاً أوضاع «القُطر العربي السوري» هي أيضاً هذه الأوضاع، فإنّ المؤكد أن مناشدات أنطونيو غوتيريش هي مجرد «تغميس خارج الصحن» كما يقال، وأنّه من الأفضل تجنيد دول أخرى عربية وغير عربية لهذه «المعركة الواحدة» ضد «كوفيد - 19» والذي من الواضح أنّ أيامه غدت معدودات وأنّ الحرب عليه ليست حرب جيوش جرارة وإنّما حرب قرارات ومواقف صحيحة.

لقد كان على منظمة الصحة العالمية ألا تتلكأ في الانضمام إلى جبهة مواجهة «كورونا» عندما كانت الأمور لا تزال في البدايات، وكان عليها أنْ تدفع الصين إلى قرار مبكر يُنهي هذه الآفة المرعبة «كوفيد - 19» وفي بكين وعلى الأرض الصينية قبل أن يصبح هذا الوباء القاتل منتشراً في أربع رياح الكرة الأرضية.