فاروق يوسف يكتب:

سأهبك غزالة

غالبا ما تعلق جملة في ذاكرتي. ولأني كائن لغة فأنا أتلذّذ بإيقاع تلك الجملة من غير الحاجة إلى العودة إلى البنية الشعرية أو الروائية التي ضمتها.

أُردّد سطرا من شاعر عراقي هو شاذل طاقة “غريبا مر يا عيني وما سلم” باعتباره خلاصة حياة. حتى الشاعر نفسه ربما لم يلتفت إلى الحمولة التعبيرية التي تنطوي عليها جملته.

بالقوة نفسها أُردّد مع نفسي جملة “سأهبك غزالة” وأودّ أن أقولها لكل امرأة ألتقيها وأقع تحت سحرها. تلك الجملة هي عنوان رواية باذخة في شعريتها للجزائري مالك حداد (1927ــ1978).

بالنسبة لي فإن تلك الرواية بالرغم من جمالها هي عنوانها. رواية صغيرة الحجم، غير أنها من النوع الذي يقيس درجات الألم بما يتضمّنه من لوعة وغصّة واشتياق للقاءات تبقى ناقصة على رصيف الزهور الذي لا يُجيب، وهو عنوان واحدة من رواياته القصيرة.

كان مالك حداد يقف عند الأقاصي التي يمكن للغة أن تصل إليها. وقد وصف اللغة الفرنسية بالمنفى. بيته الذي لا يملك فيه أي نوع من الذكريات. وقد يكون تعبير “الشقاء في خطر”، وهو عنوان رواية أخرى من رواياته تمهيدا لحكايته مع لغة سيكون واحدا من أهم صنّاع عذوبتها ورقتها وغموضها.

“سأهبك غزالة” يُمكن لتلك الجملة أن تكون عنوانا لشبكة من دروب الغزل، ستشكّل متاهة تمشي فيها الأرواح الهائمة والقلوب التي يُسلّيها أن تحب وتُحب ليكون الشهيق والزفير مُمكنا، كما لو أن الحياة كلها قد تحوّلت إلى حقل للمطارحات الغرامية التي تتنقل بين البيوت والساحات والمقاهي والحدائق وشواطئ الأنهار.

الغزالة قادمة وأنا مبعوثها. سنُفكّر معا في الأسلوب الذي يليق باستقبالها. لا يحتاج المرء إلى كثير من الكلام، ذلك لأن إيقاع خطى الغزالة الراكضة يملأ الفضاء بفراشاته.

تلك غبطة لا يمكن أن توصف. تجلس مع أكثر النساء رقة في انتظار غزالة هي هديتها. ستُغمض عينيك على حلمها مثلما ستُغمض عينيها على حلمك. وهكذا تكون الغزالة قد وصلت.