د. علوي عمر بن فريد يكتب لـ(اليوم الثامن):
أين كرامة الإنسان اليمني ؟؟!!
قال الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز:ى(وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلا) صدق الله العظيم .
وقصَّة التّكريم الإلهي بدأت عندما خلق الله الإنسان، ونفخ فيه من روحه، حيث دعا الملائكة بكلّ مواقعهم، وأمرهم جميعاً بالسجود تعظيماً لهذا المخلوق، فسجد وقتها الملائكة إلا إبليس الذي رفض السجود، فكان مصيره ما وعده الله به اللّعنة إلى يوم الدين إذاً هذه الكرامة هي منحة إلهيَّة للإنسان، أوجب عليه أن يحافظ عليها ويعزِّزها، أن لا يفرِّط فيها، فكما لم يجز الله للإنسان أن يسيء إلى جسده وروحه، لم يجز له أن يسيء إلى كرامته!!
وفي اليمن منذ أن يبصر المولود النور وفي طفولته و شبابه وانتهاء بكهولته وهو يكابد الأوبئة والأمراض والجوع والفقر والقتل والنهب في ربوع وطنه، وفي أي لحظة قد تصيبه رصاصة طائشة أو متعمدة خلال.. مطاردات أو اشتباكات بين مسلحين ومليشيات أو عمليات سطو أو ثأر قبلي !!
وفي أحسن الأحوال إذا كان معروفا تتم مراضاة قبيلته وتكون المخالصة في دمه ثورين ورشاشين وتعشيرة أمام منزله وكم ربطة من الريالات التي لا تساوي ثمن الورق الذي طبعت به !!
وينتهي الموكب بحب خشوم وتخزينة قات وضيافة في بيت أهل الضحية وعفا الله عما سلف والعوض على الله !!
وإذا أغترب خارج وطنه تلاحقه علامات الاستفهام والشكوك والازدراء والنظرة الدونية أينما حل أو أرتحل في هذا الكوكب والأبواب أمامه موصدة!!
ويتلطم حتى يشبع من الاهانات حتى أصبحت لديه مناعة ضد كل تلك الأمور..!!
وإذا عاد إلى وطنه ووصل إلى بيته سالما وأفلت من كمائن عصابات الطريق إلى قريته لم يسلم من ابتزاز المليشيات لدفع الرشاوى والإتاوات التي تفرض عليه ويحمد الله إذا وصل ومعه نصف أغراضه !!
وعند نزوله إلى السوق يجد كل أسعار السلع مرتفعة عدا شيئين فقط هما :
الريال اليمني والإنسان اليمني فقيمتهما دائما في الحضيض!!
وإذا قابل أحد معارفه أو جيرانه في الطريق يقابل بالتهكم والسخرية المبطنة ويشعر أنه غير مرحب به عندما يرون أنه بعد غربته لم يحضر عفشا كثيرا
ولا حقائب ثقيلة ويسخرون من غربته الخائبة.. ويفاجئ بمن هم أصغر منه سنا ولم يغتربوا مثله وقد ظهرت عليهم آثار النعمة من بيوت وأراض وعمارات وسيارات وحراسات ومرافقات الخ..
ويعامله الناس بتجاهل تام ويشعر عندها أن كرامته ضائعة حتى في وطنه فكيف سيحقق كرامته خارج وطنه وهو محتقر فيه بلا قيمة والأمر سيان !!
ويجد نفسه مع العشرات أمثاله وقد أصبحوا وقودا لكل النزاعات وضحية لكل الصراعات والحروب التي تنشب بين مختلف المكونات حتى تحول تراب اليمن إلى رماد يقتل الزراعة والخصب منزوع الخير والبركة !!
والسؤال الذي يبحث عن إجابة عليه هو : أين تلك الإنسانية المفقودة مع كل ما يراه من أحداث في اليمن صبغت حياتنا بالجشع والسرقة وخضبت حياتنا باللون الأحمر، لون الدماء الطازجة التي تزكم رائحتها الأنوف ويثير منظرها الغثيان.؟!!.
لقد توالت على اليمن أحداث جسام زلزلت أركانه وخلفت ورائها الكثير من القتلى والجرحى و الدماء التي سالت بأيدينا أكثر مما سالت بيد الغير !!
وتنقل لنا وسائل الإعلام المرئية كل يوم وعلى الهواء مباشرة مشاهد حية لأعداد كبيرة من الفارين من معارك الجوف ومأرب وقبلهما قرى الساحل وهم يبيتون في العراء بعد أن هجروا بيوتهم تحت وطأة المعارك الطاحنة ، وأخذت كل أسرة من هؤلاء الفارين تشق حفرة كبيرة في الصحراء وتكسوها بقطعة قماش أو ما شابه ويتخذونها بيتا لهم يؤويهم من حرارة الشمس الحارقة والعيون المتطفلة ، وقد امتلأت تلك الحفر بآلاف الأطفال والنساء والعجائز بلا طعام أو شراب أو علاج ..وسعداء الحظ منهم من وصل عدن أو قرية في الجنوب !!
والسؤال هو: كيف نتعايش مع تلك المآسي ، دون أن تحرك فينا ساكنا ؟، أين الإنسانية فينا؟ ،أين كرامة الإنسان ؟ ولازال السؤال يتردد صداه: لماذا فقدنا إنسانيتنا وأين ضاعت منا ؟
ربما لعب الإعلام دورا في قتل مشاعرنا وتبلد أحاسيسنا، ولكن الأهم من ذلك تلك العقول والقلوب التي تُقدم على تنفيذ تلك المذابح بدم بارد بعد أن تخلت عن إنسانيتها وباتت تغرس أنيابها في لحوم ضحاياها متلذذة بعذابها و متعطشة لدمائها!!
إن ما يحدث حولنا وبيننا وبأيدينا يحتاج منا إلى وقفة لاستعادة إنسانيتنا، واستعادة الإنسان فينا، لقد تحولنا إلى حيوانات مفترسة ننهش بعضنا البعض بحجج واهية وسياسات عفنة وأفكار عقيمة!!
د.علوي عمر بن فريد