عبدالرحمن الطريري يكتب:
السعودية.. سيناريوهات التصدي للجائحة
قامت وزارة الصحة السعودية بأربع دراسات حول مستقبل تمدد كورونا وانحساره في السعودية، حيث توقعت هذه الدراسات أن تتراوح أعداد الإصابات خلال الأسابيع القليلة القادمة ما بين 10 آلاف إصابة في حدها الأدنى، وصولا إلى 200 ألف إصابة في حدها الأعلى.
هذه الدراسات كما ذكر وزير الصحة في كلمته الثلاثاء الماضي، قام بها خبراء سعوديون ودوليون متخصصون في مجال الأوبئة، وهو ما يشير إلى عناية المملكة بالمنهجية العلمية في التخطيط، كما يشير إلى مبدأ الشفافية الذي التزمت به الحكومة منذ اليوم الأول.
يأتي حديث الوزير بعد بدء منع التجول الكلي في عدة مدن ومحافظات، وتخفيض ساعات التجول في باقي المناطق ليبقى مسموحا ما بين السادسة صباحا والثالثة عصرا، حيث أن سرعة انتشار الفايروس من جراء المخالطة تُعد أحد أكبر أخطار كوفيد-19.
واعتقد أن البحث العلمي والذي لا يملك رفاهية الوقت أمر في غاية الأهمية، خاصة وأن الكثير من الدول ما زالت في مرحلة طرح الأسئلة، ولم تحسم بعد موضوع الإجابات، فمثلا هل تجدي “مناعة القطيع” التي اقترحها رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، والذي يتواجد حاليا في غرفة العناية المركزة جراء هذا المرض، أم أن مناعة القطيع قد لا تجدي نفعا مع هذا المرض، خاصة مع تجدد إصابة بعض المتعافين منه.
يتساءل البعض أيضا لماذا الوفيات في ألمانيا أقل من جيرانها في القارة العجوز، وهل هو مرتبط بمعدلات سن أصغر للمصابين، برغم أن ألمانيا وإيطاليا تحظيان بأكبر نسبة كبار سن في أوروبا، حيث كان لافتا أنها سجلت معدلات أقل من كوريا الجنوبية، التي نجحت بشكل كبير في حصار الوباء.
وأحد أكبر التحديات الجلية لمكافحة الجائحة هي وجود سعة سريرية كافية، خاصة في العناية المركزة التي عادة ينتقل لها المريض في الأسبوع الثاني مع اشتداد ضغط الفايروس على رئتيه، وهذا بالطبع يحدث مع الحالات ذات المناعة الأضعف.
وهذا الأمر في جزء منه هو تحدّ اقتصادي، وفي جزء آخر هو تحدي وجود الأجهزة الكافية في السوق العالمي، والتي أشار إليها الوزير، وقد أشار أيضا إلى أن المملكة وضعت ميزانية إضافية تبلغ 7 مليارات ريال، للتصدي لفايروس كورونا.
وضمن خطة الطوارئ التي بدأتها المملكة في فبراير الماضي، وكان المتحدث الرسمي للتعليم الجامعي أشار في المؤتمر الصحافي اليومي، إلى وجود ستة مستشفيات جامعية وفرتها الوزارة، بسعة ما يقارب ثلاثة آلاف سرير. كما أسهمت الوزارة من خلال عشرين جامعة بسبعة وسبعين مبنى للعزل الطبي، تشمل ستة آلاف غرفة وجناح، وتجاوز عدد الأسرَّة 9045 سريرا، في حال تم الاحتياج إليها.
وخطة الطوارئ يتم تطويرها باستمرار للتعامل مع المستجدات، ولكن من جانب آخر يعد التعاون وعدم التقليل من خطر المخالطة أمر بالغ الأهمية، وهي مسؤولية مشتركة لجميع سكان السعودية.
وبالحديث عن التعليم، فقد بلغ عدد الطلاب المتواجدين بالخارج 59658 طالبا، وعدد المرافقين الموجودين بالخارج 33235 مرافقا؛ حيث يبلغ المجموع الكلي 92893 طالبا ومرافقا.
وهو أمر زادت أهميته بعد أن بدأت دول الابتعاث بتعليق الدراسة، وهو القرار الذي تأخرت فيه عن المملكة ودول أخرى، ولهذا وضعت المملكة خطة لعودة الراغبين في العودة، بالتعاون مع الممثليات الدبلوماسية في دولهم، وذلك بعد استكمال إجراءات الفحص في المطارات.
وجهزت لذلك وزارة الصحة السعودية 11 ألف غرفة فندقية، ليمكث الواصلون فيها مدة الحجر الصحي والتي تمتد لأسبوعين، ثم ينقل من أظهرت الكشوف سلامته إلى منزله، وأعطيت الأولوية في القدوم لكبار السن والحوامل، ومن لهم ظروف صحية خاصة.
إن هذا التحدي الصحي في ظاهره، هو تحدّ لا تنجح الدول فيه إلا بتعاون جميع الأجهزة، لأن له تأثيره على جميع القطاعات، وحجر الأساس فيه تعاون الناس ووعيهم العالي، حتى يتم تجاوز الذروة التي غالبا لم تصلها أي دولة. فالمرحلة كما تعلمنا من التجربة الماضية مع هذا الفايروس نحو العالم هو البقاء حذرين متمسكين بكثير من التفاؤل أن تنجلي الجائحة خلال أشهر قليلة.
وربما ما يدعو للتفاؤل المتزن في هذا الوقت العصيب، ما ذكره ريتشارد برينان، مدير الطوارئ في المكتب الإقليمي لـلصحة العالمية، من أن “معظم بلدان الشرق الأوسط تشهد زيادة يومية مقلقة في حالات الإصابة الجديدة بالفايروس، لكن المنطقة لا تزال أمامها فرصة لاحتواء تفشيه”. والذي أكد ضرورة التعاون حسب منهج شامل لطريقة تعزيز إجراءات الصحة العامة التي أثبتت فاعليتها مثل الرصد المبكر، والفحص المبكر، وعزل المصابين.
لاشك أن الفارق بين رقم العشرة آلاف مصاب ومئتي ألف مصاب كبير للغاية، وهما السيناريوهان الأكثر تفاؤلا والأكثر تشاؤما، واليوم نحن نتحدث عن حالات دون الثلاثة آلاف مع تعافي لأكثر من 600 حالة، وهذا يتطلب من الجميع المزيد من الحذر، لأن هذا هو السبيل الوحيد للبقاء في منطقة السيناريوهات المتفائلة.