فاروق يوسف يكتب:
الخطر القادم من الصين
لا يزال هناك مَن يفكر في أن الشيوعية هي الحل وأن مستقبل البشرية سيكون شيوعيا. ولقد وجد البعض في الأسلوب الذي اتبعته الصين في حربها ضد فايروس كورونا خير دليل على أن الدولة الشمولية على الطريقة الصينية أكثر كفاءة من الدول التي تعتمد النظام الحر في مجال حماية شعبها.
لقد فرضت الصين قيودا مشددة حدت عن طريقها من حرية الحركة في ووهان وهي المدينة التي انطلق من أحد أسواقها فايروس كورونا. ذلك الإجراء ساعدها على أن تحد من انتشار الوباء وهو ما يسر لها الإعلان المبكر عن عودة الحياة إلى ووهان. كان ذلك نوعا من الدعاية الشيوعية التي لا تستقيم مع الواقع.
ذلك ما يمكن التعرّف عليه من خلال الفرق الطبية الصينية التي صارت تتجول بين المناطق المنكوبة في دول ينتمي بعضها إلى العالم الأول كما هو الحال مع إيطاليا التي فتك بها الفايروس بسبب سوء الإدارة السياسية لمسألة كان حريا بالسياسيين أن يتركوا قرار الحسم فيها للأطباء والعلماء.
في الوقت نفسه كانت هناك فرق طبية كوبية تجوب العالم في استعراض لا يقل دعائية عن الاستعراض الصيني. في مواجهة ذلك المشهد ردد البعض مقولة للرئيس الكوبي السابق فيدل كاسترو ملخصها أن كوبا تصدر الأطباء إلى العالم فيما الولايات المتحدة تصدر الأسلحة.
وكما هو واضح فإن النظامين الشيوعيين في الصين وكوبا لم يتحرّكا إلا بدوافع سياسية كان البعد الإنساني مجرد واجهة لها. وهو ما يذكّر بالأسلوب الدعائي الذي اعتمده الاتحاد السوفييتي السابق في تأكيد حرصه على السلام والأمن العالميين في الوقت الذي كان يزج فيه بدعاة الحرية من مواطنيه في السجون باعتبارهم من وجهة نظره خونة للرأسمالية.
وإذا ركزنا على الصين فإنها حاولت من خلال فرقها الطبية أن تغطي على مسؤوليتها عن ظهور الفايروس وانتشاره، بسبب تأخرها في الإعلان عنه وإخفائها للكثير من الحقائق العلمية التي تتعلق به. تلك جريمة سعى الصينيون إلى أن يمحوا آثارها من خلال دعاية ساذجة.
هناك تفصيل لم ينتبه إليه الكثيرون، سواء مَن أدانوا الموقف الصيني المريب أو مَن أدهشتهم المعالجة الصينية للوباء وقيامها بتقديم مساعدات طبية لعدد من الدول الفقيرة من أجل التصدي لانتشار الفايروس.
يتعلق ذلك التفصيل بالدوافع العقائدية التي تتحرك الصين بموجبها في علاقتها مع العالم وهي دوافع نجح النظام الصيني في إخفائها حين قرر دمج الصين بالنظام الاقتصادي العالمي الحر، بحيث اعتقد الكثيرون أن الصين قد تخلت أو في طريقها إلى التخلي عن شيوعيتها.
لم يكن ذلك الرأي صحيحا على الإطلاق، بل إنه يعبر عن سذاجة عرف الصينيون كيف يستثمرون ذكاءهم فيها. وهو ما ساعدهم على التهام الجزء الأكبر من الاقتصاد العالمي، من غير أن يتزحزحوا سنتيمترا واحدا عن أساسهم النظري وطريقتهم العملية في تسيير الشؤون اليومية في دولتهم التي لا تزال تتعامل بالعنف القديم مع أي ظاهرة تعبر عن نوع من الاختلاف مع النظام الشيوعي الذي لا يزال ماويا (نسبة إلى الزعيم الصيني ماو تسي تونغ)، بل هو اليوم أكثر تشددا في ماويته من ماو نفسه.
ليس ذلك التفصيل حدثا جانبيا لكي يتم التغاضي عنه.
الصين الشيوعية هي اليوم الشريك الأول للولايات المتحدة في إدارة الاقتصاد العالمي. ذلك يعني أن لها مصلحة في عمل الشركات الكبرى التي تعرضت بسبب كورونا إلى ضربات قاصمة أودت بعدد منها إلى إعلان إفلاسها.
فهل حدث ذلك صدفة؟
العالم الحر بالنسبة للصين الشيوعية لا يزال هو العدو الأول. والصين في جوهر ذلك الموقف لا تختلف عن إيران، بالرغم من أن إيران لا تزال تتمسك بأساليب متخلفة تتمحور كلها حول النزاع المسلح الذي تجاوزته الصين منذ حوالي نصف قرن. ربما سيكون كورونا مناسبة لإعادة تصفح الملف الصيني.