عبدالرحمن الطريري يكتب:

إيران.. وسنوات الفرص الكورونية

جزء من القراءة السياسية الأميركية، يفترض أن النظام الإيراني سيكون مشغولا بكارثة كورونا، والتي ناهز عدد ضحاياها المعلنين المئة ألف، مع حديث للمعارضة الإيرانية عن تجاهل رصد ثلثي الحالات الإيجابية، الأمر الذي يمنعها “منطقيا” من القيام بحماقاتها العسكرية المعتادة. وجزء أيضا من القراءة السياسية الإيرانية يعتقد أن تجاوز الولايات المتحدة للمليون إصابة بالفايروس، أو إذا صغناها بشكل أكثر رعبا، وجود ثلث إصابات العالم بكوفيد – 19 في الولايات المتحدة، سيعني أن الإدارة الأميركية في حالة وهن، لاسيما ونحن في عام انتخابي، وبالتالي فإن هذا هو الوقت المناسب لتحقق طهران الضربة الثالثة بعد كورونا والنفط، وربما الضربة القاضية التي تأتي بجو بايدن، نائب الرئيس السابق باراك أوباما، وبالتالي يكون “الصبر الاستراتيجي”، والمصطلح للرئيس الإيراني حسن روحاني، قد أتى أكله دون تنازل نووي أو باليستي، والأهم عدم اشتراط الحد من التدخلات الإيرانية في الأقطار العربية.

بالطبع كانت القراءة غير دقيقة من الطرفين، فلا إيران نظام طبيعي يولي أولوية لشعبه، وينكفئ وقت الأزمات، ولا الرئيس دونالد ترامب سيسمح بأن يوضع موضع الرئيس الضعيف، وهو دائما ما يقصد بذلك الرئيس أوباما الذي صمت عن كثير من التجاوزات الإيرانية في الخليج العربي، ومنها احتجاز جنود من البحرية الأميركية لأيام.

إيران قامت بإطلاق قمر صناعي عسكري بحسب الحرس الثوري، باستخدام صاروخ يبدو أنه يعتمد على تكنولوجيا من كوريا الشمالية، وهو الأمر الذي شجبته واشنطن ولحقتها عدة عواصم أوروبية، لأنه يشير إلى الاستعداد الحثيث لإطلاق صواريخ برؤوس نووية، إذا ما سُمح لها بالحصول على سلاح نووي.

كما قامت بالتحرش بالقطع البحرية الأميركية في الخليج، ومن ذلك مرور زورق حربي إيراني بسرعة فائقة على بعد نحو تسعة أمتار من مقدمة سفينة لخفر السواحل الأميركي، وتشير بعض التقارير إلى أن إيران تدربت على فكرة “الكثرة تغلب الشجاعة”، عبر القيام بهجوم من عدة زوارق بحرية سريعة في نفس الوقت لمفاجأة حاملة الطائرات الأميركية أبراهام لينكولن، أو المدمرتين كاسينجر وماكفول، لكن البحرية الأميركية استعدت لهذا السيناريو جيدا، بالإضافة إلى توجيه الرئيس الأميركي الواضح بالرد على أي تهديد تمثله البحرية الإيرانية.

إيران ترى في 2020 سنة الفرص الكورونية، وبالتالي هي سنة يجب أن يتم التمدد فيها أكثر رغم المشقات الاقتصادية والصحية، وقد ظهر ذلك جليا في محاولة تكثيف التواجد في الملعب السوري، وفي السعي لإبقاء المشهد اليمني مشتعلا، ورفض الهدنة التي تقدم بها التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية لمدة أسبوعين، وتم تمديدها لمدة شهر آخر احتراما لشهر رمضان المبارك، رغم عشرات الخروقات من الحوثيين.

من جانب آخر، تدرك الولايات المتحدة أن تصديها لمشروع إيران النووي، ولمشاريع الصواريخ الباليستية، التي أصبحت بالفعل مهددة لأوروبا، لن يتم بالعقوبات الاقتصادية فقط، بل يجب أن يمتد لإضعاف الأذرع الإيرانية إلى أقصى حدّ ممكن، ويبقى العراق الساحة الأمثل لهذا الصراع، فهو في نظر الإيرانيين الملعب الأنسب، لتحقيق المزيد من الخسائر البشرية في صفوف القوات الأميركية، وقوات التحالف بشكل أهم، خاصة العناصر العسكرية من بريطانيا ودول أوروبا.

وبالتالي وإن كان العنوان الأبرز هو إخراج الأميركان من بلاد العرب، انتقاما لتصفية قاسم سليماني وأبومهدي المهندس، إلا أن الهدف الحقيقي هو إخراج دونالد ترامب من البيت الأبيض، ولا يُستبعد أن تكون تلك نصيحة من وزير الخارجية الأميركي الأسبق جون كيري، الذي التقى مع الإيرانيين بالفعل خلال فترة الرئيس ترامب الحالية عدة مرات في أوروبا.

العراق يتميز بالنسبة للطرف الأميركي، بأنه مهم استراتيجيا خاصة وأنه استثمار قديم منذ إسقاط صدام حسين في 2003، وإن كان لواشنطن تراكم من الأخطاء، بدءا من فكرة تصدير الديمقراطية وزراعتها عنوة، وتجاهل الفسيفساء المعقدة للعراق، مرورا بتسليم العراق إلى المعارضة العراقية التي أقامت بين طهران ودمشق، وصولا إلى القرار العجيب للرئيس أوباما بسحب القوات الأميركية من العراق، مما فتح السبيل لتنظيم داعش ليعيث في مناطق عراقية كبيرة فسادا، كما أن المتنفس الرئيس لإيران من العقوبات الأميركية هو العراق.

أما في سوريا فإن ساحة الصراع أشدّ تعقيدا من أن تسمح بمصارعين فقط، فهناك تركيا في الشمال، التي تقاتل بذريعة منع تشكل شريط كردي على حدودها، ويسعى رجب طيب أردوغان انتخابيا لتسويق عملية “نبع السلام”، على أنها معركة لإعادة السوريين إلى مناطق آمنة، هي في حقيقة الأمر ليست مناطقهم التي هجّرهم منها بشار الأسد، لكنها المناطق التي اختارها لهم أردوغان لتغيير ديموغرافية الشمال السوري.

وفي سوريا أيضا هناك روسيا التي لن تقبل بأن تكون أقل من كونها أكثر الرابحين من دعم نظام الأسد، حتى لو بدت لا تثق في أن الأسد نفسه يستحق البقاء، وبالتالي عليها أن تحافظ على “سوريا المفيدة”، وعلى مكاسبها العسكرية في طرطوس و حميميم، وعلى ما تمنحه سوريا للكرملين من مقعد تفاوض مع الأوروبيين والأميركان على العقوبات والنفوذ وأحيانا الغاز.

كما أن في سوريا من يدير المعركة مع إيران وحزب الله هي إسرائيل أكثر من الولايات المتحدة، فالأخيرة تكتفي بتواجد شبه افتراضي في شرق سوريا، لا هو داعم حقيقي للأكراد، ولا هو بالمتصدي بحزم للنفوذ الإيراني، بينما إسرائيل رسمت خطا بمباركة روسية حول حدودها، وتصيّد أي بعوضة من الحرس الثوري تمر داخل هذا الخط.

كما سبق كورونا في طريقه إلى لبنان سرطان حزب الله، الذي كان قبل 17 أكتوبر الماضي يستعد لابتلاع لقمة لبنان بشكل كامل، فحدثت الثورة لتسقط اللقمة من يده، لكن اللبنانيين عادوا ليخرجوا إلى الشارع رغم كورونا، ليتظاهروا ضد حكومة حزب الله الباسيلية، وكما قال أحد المتظاهرين، ما الفرق بين الموت بكورونا أو الموت جوعا.

الفرصة الأكبر لإيران من كل هذا، هو خروج الولايات المتحدة من المنطقة، وتعتقد أنها بتكرار سيناريو توابيت العام 2003 عبر تشاركها مع القاعدة في قتل الجنود الأميركان سيتسنى لها ذلك، متناسية الدروس المستفادة في واشنطن من كل تلك السنوات، ومتناسية بشكل أكبر كيف أصبحت هي في وضع أسوأ بكثير من وضعها قبل عقدين.

التطورات خلال العام الماضي حتى الآن تشير إلى أن الولايات المتحدة باقية في الخليج، الأمر ليس رومانسيا إلى درجة أن أميركا تبقى في المنطقة فقط من أجل حلفائها، لكن لأن إيران أثبتت أن التصدي لها مهم ليس فقط للاستقرار العالمي، وتجنيب النادي النووي أعضاء جددا، بل لضبط الصراع مع بكين وموسكو أيضا.