فاروق يوسف يكتب:
سبب حقيقي للإحباط
منذ عقود والكوارث تضربنا من كل جهة حتى صرنا مضرب المثل لأمة سيئة الحظ، يضع أبناؤها مواهبهم في خدمة الآخرين فينجحون وحين يضعون تلك المواهب في خدمة بني جنسهم ينتهون إلى الفشل. ولكن ذلك الفشل يتحوّل أحيانا إلى لعنة يحملها المبدع العربي معه أينما ذهب.
ولأن مقياس النجاح نسبي كما أن الحكم عليه ينبغي ألّا يقع خارج المنطقة التي يعمل المبدع فيها، لا يمكننا تصديق الكثير من الظواهر التي يتبناها الغرب باعتبارها حقائق تمثل وجودنا المسافر.
ولو اتخذت من الرسم مقياسا يمكنني أن أذكر مئات الرسامين العرب الذين قضوا جل حياتهم في مدن الفن الكبرى. نيويورك، روما، باريس، برلين ومدريد. لم يبرز منهم على المستوى الترويجي في سوق الفن سوى عدد قليل قد لا يتجاوز العشرة تقف اللبنانية إيتيل عدنان والفلسطينية سامية حلبي في مقدمتهم.
فهل ذلك يعني أن الآخرين فشلوا في إقناع الآخرين بمواهبهم الاستثنائية بعد أن صارت الطرق التي تعيدهم إلى أوطانهم الأصلية غير سالكة؟ شخصيا أعرف عشرات الرسامين العرب الذين عاشوا حياتهم كلها متفرّغين للرسم ولم يفعلوا شيئا سواه بعد أن انتقلوا إلى العيش في مدن الفن الكبرى.
وبالرغم من كدحهم الجمالي اليومي، فإن مؤسّسات الفن العالمية وأسواقه لم تنتبه لهم ولم تضع تجاربهم بين قوسي رغبتها في التعرّف على ما هو غريب ومختلف، مثلما تفعل مع تجارب الصينيين والهنود والكوريين والروس ورسامي أميركا اللاتينية وأفريقيا.
فهل يعني ذلك فشلا للرسام العربي المهاجر؟ لا يمكننا هنا أن نغمض أعيننا عن الإحباط الذي يشعر به ذلك الشخص الذي يضع موهبته في خدمة ثقافة ترفضه. غير أن ما ينبغي قوله هنا إن جزءا عظيما من ذلك الفشل إنما يعود إلى غياب الروح الجماعية لدى العرب.
هناك وسط لندن قاعات متخصّصة بالعروض الأفريقية والصينية فيما القاعة العربية الوحيدة لا تلتفت إلى الرسم العربي، إلّا في مناسبات متباعدة. ذلك سبب حقيقي للإحباط هو الأقوى من كل الأسباب الأخرى.