فهد ديباجي يكتب:

اليمن المنكوب

الشعب اليمني بسيط جدا عاش مغيبا عن واقعه وشُغل بقوته بأقدار إلهية أو  بفعل فاعل، فالحضارة اليمنية ضاربة جذورها في عمق التاريخ وأرضها الطيبة كانت مهدا للعلوم والمعارف والثقافات كما أنها كانت سوقا رائجا للتجارة وتبادل المنافع الإنسانية بحكم إطلالتها على بحر العرب والبحر الأحمر وإشرافها على مضيق باب المندب، الذي يعتبر ممرا للسفن ومنبعا خصبا ونشطًا للملاحة التجارية، فضلاً عن طبيعتها الجغرافية وتضاريسها المتنوعة مابين جبال وسهول وصحاري ومناخها الملائم للزراعة وإنتاج العديد من المحاصيل الزراعية.

وقد كانت اليمن وعبر التاريخ وجهةً ومنارة لطلبة العلم والالتحاق بصروحها التعليمية، وفي غفلة من التاريخ وعلى حين غرة من شعبها المسالم تغلغلت الإمامة من جديد في أوساطها وعاصمتها السياسية واستحكمت بزمام الأمور وقادت الشعب اليمني بالحديد والنار وهدمت دور العلم وصروح المعرفة.

كما دأبت على تجهيل اليمنيين وتغييبهم قسريا عن العلم والمعرفة بنشر الخرافات المذهبية والمعتقدات الباطلة لتسهيل قيادة اليمن وانقياد اليمنيين لجبروتها، فسجنت العلماء والمفكرين والقضاة وأصدرت في حقهم إعدامات جائرة على مرأى ومسمع من العالم في عملية تخويف ممنهجة وترويع للآمنين وإرغامهم على الرضوخ لواقع كهنوتي والامتثال لجبروتها فخنع الشعب اليمني مكرها.

حاليا المملكة والتي تعتبر من أكبر المانحين لليمن تعمل على إقامة مؤتمر للمانحين بمبادرة سعودية خالصة ومباركة إماراتية واستعدادهم لتقديم كل ما يمكّن من رفع المعاناة عن الشعب اليمني ويلبي تطلعاته إلى مستقبل أفضل، يهدف إلى جمع تمويلات لمساعدة اليمن في تخطّي ظروفه الصعبة الذي يعيش صرخة شعبية ممزوجة بالألم والمأساة، جراء الوضع المتردي الذي تعيشه البلاد يومياً بسبب ‫الحرب المشتعلة واختلاط الحابل ‬بالنابل، مع فيروس كورونا وضياع الارقام الحقيقة وتزايد الحالات الأمراض والأوبئة والسيول والفقر، في ظل عبث ولا مُبالاة من جميع الأطراف اليمنية التي تملك القرار على الأرض، وغياب الحكومة الشرعية عن المشهد نتيجة أسباب وظروف مختلفة ومتعددة .

الاستقرار في ‫اليمن‬ اليوم، مرتبط بتنفيذ اتفاق الرياض لتحقيق الهدف الأهم الخلاص من ميليشيا الحوثي

‏في اليمن لا صوت يعلو فوق صوت المعركة والدمار، مع تجاهل تام للحالة الشعبية المزرية والتي يبدو أنها لم تكن لهم أولوية بعدما فقدوا وضيعوا الأهداف والطريق الصحيح، لاسيما أن استمرار المعارك بين طرفي التحرير لن يحقق هدفا وطنيا ولن يحقق دولة ولن يضفي للمواطن شيئا، إنما هي امتداد لصراعات أسعدت العدو وكسرت الروح المعنوية للداعمين وللمقاتلين وضيعت الحكمة، فالعقلاء يفتشون عن الحلول حين تصل الأزمات إلى مداها من أجل شعوبهم والمصالح العامة، وهو ما كان يجب على القيادات اليمنية إعادة النظر فيه بتصحيح المواقف وتقديم التنازلات وإعادة ترتيب الأولويات.

الكل في اليمن يعي أن الاستقرار في ‫اليمن‬ اليوم، مرتبط بتنفيذ اتفاق الرياض لتحقيق الهدف الأهم وهو الخلاص من ميليشيا الحوثي وفرض الاستقرار السياسي، ما عدا الأطراف المعطلة لهذا الاتفاق الذي أرعبهم منذ إعلانه وحتى قبل أن يجف حبر التوقيع عليه، بتوجيه البرامج والقنوات الإعلامية الإخوانية والإيرانية بالهجوم عليه والتشكيك فيه، وهو ما يؤكد استمرار مشروع هذه الجماعات الساعية لترك اليمن ساحة للفوضى من أجل مصالح ضيقة وانتماءات حزبية ومناطقية وتوجيهات خارجية خفية لا تعنيها مصلحة اليمن وشعبه.

فكما للحروب تُجار يعملون على إطالة أمدها ويئدون أي مسعى لإنهائها فإنّ للأوبئة والأمراض كذلك تُجارها الذين يئدون أي مسعى لوأدها وهذا ما يحدث بالضبط في اليمن المنكوب والموبوء والمقبل على كارثة إنسانية بشهادة الأمم المتحدة نتيجة مكون يخترق الشرعية ويتلقى توجيهات خارجية ويؤمن بالمشروع القطري التركي، ومكون يحتل جزءا من اليمن بأوامر ودعم من إيران، وشلة خونة باعوا اليمن بثمن بخس، تصدر الدعايات والشائعات من إسطنبول وبتمويل قطري تدعوا تركيا للتدخل في اليمن بحجة دعم الشرعية ولضرب اتفاق الرياض وخلط الأوراق والإمعان في الفوضى، بعد أن أدركوا أنه لامستقبل لهم في السيطرة على اليمن مابعد اتفاق الرياض، وشرعنة الوجود التركي والالتفاف على عاصفة الحزم وإعادة الأمل من خلال دعم الإخوان، بما يخدم أهدافهم وتوجهاتهم ويثبت وجودهم في اليمن.

لهذا يجب أن يدرك الشعب اليمني والأطراف المتحاربة بعيدًا عن العدو الرئيسي أن التحالف والسعودية خصوصا أنفقت وتنفق الكثير من الأموال والميزانيات المهولة التي كان تكفي ربعها لإعادة البناء والإعمار واندحار الحوثي وكسر شوكته وتخليص اليمن منه ومن شره، لو وجدت من يجيد التعامل معها، فاليمن شقيق قبل أن يكون جارا، واليمنيون منا وفينا. 

‏وما نقدمه لهم سيعود علينا امناً واستقرارا، إلا أن الأوضاع العالمية والأحوال الاقتصادية الحالية قد تدفعها لإيقاف الكثير من تدفق الأموال بعدما انحرفت الأهداف الرئيسية وظهرت الاختلافات والمعارك الجانبية للمكونات اليمنية وغياب صوت العقل وتجاهل اتفاق الرياض وعطلوا البوصلة الوطنية، وليعلم الجميع أن السعودية والتحالف عموما حضروا من أجل اليمن وشعبه وإنقاذه ولن يتمكنوا من تحقيق ذلك مالم يجدوا قوى وطنية مخلصة تساعدهم في تحقيق هذا الهدف بدلاً من تفجير الأوضاع ومواجهات وحشود تسير في الاتجاه المعاكس.