د. علوي عمر بن فريد يكتب لـ(اليوم الثامن):

بكائيات على عدن قيثارة الأحلام !! (1)

عدن يا درة المدن.. يا قيثارة الأحلام.. يا ربة الجمال.. وقبلة العشاق.. وصوت الشجن .. ولحن الوتر.. فيك تغنى الشعراء.. واليك رحل الفن واستقر ولم يرحل.. عدن التي كانت تتدلى من شرفاتك عناقيد الفل وأطواق الياسمين.. ومن نوافذك تتسلل رائحة البخور في المساء .. ومن قناديلك ينبثق الضوء.. ومن ضحكات أطفالك يشرق الأمل وتتفتح الأزهار..ومن مطاعمك ومقاهيك تفوح روائح الطعام العدني الشهي و الزربيان وشواء السمك والشتني ..واللحم الحنيذ كلها تفتح الشهية وفي العصر ينتشر عبق الشاي العدني ويقدم في كل مكان ورائحة الهيل وجوزة الطيب وفطائر الخميرة تجذب المارة والمتسوقين !!
هكذا كانت عدن مدينة لا تنام توزع السلام والفرح على كل من يسكنها وحتى من يدخلها !!
عدن يا مهد الحضارات والفنون.. يا ربة المجد ورفيقة الملكات.. إليك طارت ملكة بريطانيا واختارتك دون سائر المدن.. وقضت فيك أجمل أيامها وذكرياتها.. عشقتك دون كل مستعمراتها التي لا تغيب عنها الشمس.. اختارتك لتكوني شاهدة على حبها لك.. وشاهدة على من تحب.. قضت في ربوعك أجمل الذكريات على الشاطئ والجبل.. قضت فيك شهر العسل الذي تتمناه كل أنثى مع من تحب.. هكذا أنت يا عدن مدينة للحب والسلام تحتضنين كل غريب وتأوين كل مكروب.. لا تعرفين الحقد ولا الكراهية .. هادئة وادعة تستقبلين كل أجناس وأطياف وألوان وأديان ومذاهب كل البشر.. كنت مرفأ سلام تبحر إليه كل السفن... وتقلع منه كل الطيور والنوارس الحمائم والنسور..
كنت قبلة التجار والمغامرين والحالمين.. والطامحين..والعشاق!!
كنت منارة الفن والطرب ..ويرحل إليك الفنانون والمبدعون، أحيا فيك الموسيقار فريد الأطرش أجمل الحفلات، وسكب لك أعذب الألحان.. وغنى لك وحدك أبو بكر سالم بلفقيه "ياطايره طيري على بندر عدن" وغنى لك ولبريدك: محمد سعد عبد الله: صباح الخير من بدري.. وأحمد قاسم يا عيباه ، ، وفيصل علوي والكثيرون.. افتتنوا بجمالك ودلالك، وصاغ لك الشعراء والأدباء.. قلائد الشعر مرصعة بالنجوم والأحلام..
عدن كنت درة مدن الجزيرة العربية والخليج يوم خرج المستعمرون.. باعوك رخيصة في سوق النخاسة، تآمروا عليك وأنت فرحة بعرسك.. واستقلالك.. البحر يغسل شواطئك وأمواجه تتراقص تحت أقدامك..وجبالك تعانق السحاب بهاء وفخرا، نعمة صاغها الخالق لك وحدك، وتنسكب منها شلالات الصهاريج لتزيدك حسنا وجمالا، وذات يوم في أواخر الخريف والشتاء يقترب وأنت لا تعلمين أن الصفقة قد تمت.. وأن قوم من أبناء وطنك اختطفوك.. ومعك كل الجنوب.. وطاردوا أحرارك ،وفرسانك، وعلمائك، وشرفائك.. واستولوا على كل تاريخك وارثك الحضاري .. استولوا في غفلة من الزمن بكل خسة ودناءة وسلمهم المستعمرون مفاتيح أبوابك وكل مقاليد الأمور فوق ترابك.. ثم دمروك بصراعاتهم وهمجيتهم وهم يتنازعون الحكم عليك!!
غدر بك أبناؤك.. وتركوك تبكين أيامك الماضية وتنزفين .. حتى امتلأت صهاريجك دما ودموعا وجدرانك رصاصا وبارودا.. وسالت دماء أبنائك في الشوارع أنهارا.. وكلما أقبل الشتاء تبكين.. وتتألمين.. دموعك حبات المطر.. ونحيبك صوت الرعد.. وكلما عادت الذكرى تبكين.. حتى طال بكاؤك يا عدن..!
لقد رحل عنك أحبابك وأنت تعلمين أنهم فارقوك قهرا وقسرا وتركوك وحدك تبكينهم.. وتبكين نفسك.. وكلما هطل المطر غزيرا في شتائك الحالم الجميل لم يغسل أحزانك.. ولم يغسل أحزاننا على فراقك.!!
وكما قال الشاعر :
ينام الطفل في وطني .. أعانقه بأحلامي
ونصل الموت يسـبقني .. إليه بخنجر دامي
فيذبحه ويذببحني .. وتنزف معه ايامي
واغزل بعده كفني .. وادفن معه اقلامي
وانقش نجمة بيضاء .. بدمي فوق اعلامي
واصرخ عشت ياوطني حرآ .. عاليآ سامي
أنين الطفل اسمعه فتلهبني شراييني
وبغيَ الظلم اصرعه .. حاشآ اليوم يثنيني
فمن قصف على بيت .. إلى ذبحٍ بسكين
يموت الطفل في وطني .. وصمت القوم يكويني
د.علوي عمر بن فريد