د. سامي خاطر يكتب لـ(اليوم الثامن):
إيران تحكم بالمشنقة: مجزرة 1988 لم تنتهِ، بل أصبحت نظامًا
ما يحدث اليوم في إيران ليس تصعيدًا أمنيًا ظرفيًا ولا ردًّا مبالغًا فيه على احتجاجات عابرة. إنّه استمرار مباشر، واعٍ، ومقصود لمجزرة 1988، ولكن بأدوات أكثر "قانونية" وأقل ضجيجًا. الإعدام في إيران لم يعد جريمة تُرتكب في الظل، بل سياسة دولة مُعلنة، تُدار من داخل مؤسسات الحكم، وتُستخدم لضمان بقاء نظام لم يعُد يمتلك أي مصدر شرعية سوى الترويع بوصفه أداة حكم.
في صيف 1988، ارتُكبت واحدة من أبشع الجرائم السياسية في أواخر القرن العشرين، حين أُعدم نحو 30,000 سياسي بعد محاكمات صورية لم تتجاوز دقائق. لم تكن تلك الجريمة حادثة استثنائية أو فعلًا منفصلًا عن سياسة الدولة، بل قرارًا استراتيجيًا اتّخذه النظام ليؤسس قاعدة حكمه: من يعارض يُمحى. الأخطر أن الجريمة لم تُقابل بأي مساءلة دولية حقيقية، ما أسّس لثقافة دولة قائمة على الإفلات من المساءلة.
اليوم، تتكرّر الجريمة نفسها من حيث الجوهر. الإعدامات تطال محتجين، ومعارضين، وأفرادًا من الأقليات القومية والدينية، عبر قضاء مُسيّس يعتمد اعترافات قسرية ومحاكمات تفتقر لأبسط معايير العدالة. المحاكم الثورية ليست جهازًا قضائيًا، بل غرفة عمليات قانونية لإنتاج القتل. وهذا ما أكّده مرارًا المقررون الخاصون للأمم المتحدة المعنيون بحقوق الإنسان في إيران، الذين وصفوا الإعدامات بأنها "تعسفية" وترقى إلى جرائم ضد الإنسانية حين تُمارس بشكل منهجي.
اللافت أن النظام لا ينفّذ الإعدامات عبثًا. فالتصعيد يتزامن دائمًا مع لحظات ضعف داخلي: انتفاضات شعبية، أو أزمات اقتصادية خانقة، أو صراعات داخل النخبة الحاكمة. الإعدام هنا ليس عقوبة، بل أداة ضبط سياسي ورسالة واضحة للمجتمع: لا بديل عن الطاعة. بهذا المعنى، تحوّلت المشنقة إلى لغة الحكم الوحيدة المتبقية.
قانونيًا، لم يعُد العالم يفتقر إلى الأدوات. السوابق موجودة. ففي قضية حميد نوري في السويد، طبّقت المحاكم مبدأ الولاية القضائية العالمية لمحاكمة أحد المتورطين في مجزرة 1988، وأدانته بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. هذه السابقة كسرت حاجز الصمت، وأثبتت أن العدالة ممكنة عندما تتوافر الإرادة السياسية. كما أن تقارير المفوضية السامية لحقوق الإنسان شدّدت على أن الجرائم المستمرة لا تسقط بالتقادم.
لكن المشكلة لم تكن يومًا قانونية، بل سياسية. الفصل الغربي المزمن بين ملف حقوق الإنسان والملفات الاستراتيجية، خصوصًا النووي، منح طهران مساحة قاتلة للمناورة. البيانات القلقة، دون إجراءات، لم تُنقذ أحدًا من حبل المشنقة. بل على العكس، رسّخت قناعة النظام بأن العنف بلا ثمن.
المطلوب اليوم ليس مزيدًا من الإدانات، بل تحوّل جذري في المقاربة. أولًا، الاعتراف الرسمي بأن مجزرة 1988 جريمة ضد الإنسانية مستمرة الأثر. ثانيًا، توسيع استخدام الولاية القضائية العالمية في أوروبا وخارجها. ثالثًا، فرض عقوبات شخصية ملزمة على القضاة والمدّعين وقادة الأجهزة الأمنية المتورطين في الإعدامات. وأخيرًا، دعم آليات التحقيق الدولية المستقلة، لا بوصفها أدوات أخلاقية، بل أدوات مساءلة ملزمة.
الخلاصة واضحة وقاسية: إيران لا تُعدم لأنها مضطربة، بل لأنها تحكم بالإعدام. من تجاهل مجزرة 1988، مهّد لمقاصل اليوم. ومن يواصل الصمت، يشارك — ولو سياسيًا — في جريمة لم تتوقف منذ سبعة وثلاثين عامًا.


