فاروق يوسف يكتب:
تحرير فلسطين يبدأ بتحرير الإنسان الفلسطيني
أوقف الرئيس الفلسطيني محمود عباس العمل بالاتفاقيات مع إسرائيل والولايات المتحدة. خطوة لا معنى لها في ظل عمليات الضم التي تمارسها سلطات الاحتلال الإسرائيلي والتي تحظى بمباركة أميركية.
ولكن ذلك القرار هو أقصى ما يمكن أن يفعله أبومازن إذا لم يقرر حل السلطة الفلسطينية الذي يمكن أن يكون بداية جديدة لحوار من نوع مختلف مع إسرائيل ومع العالم في الوقت نفسه. لن يكون البديل بالتأكيد قيام دولة فلسطين. تلك فرصة فوتتها القيادة الفلسطينية منذ سنوات.
يحتاج الموقف الحالي إلى اتفاقات جديدة تجيب على سؤالين. هل الأراضي الفلسطينية محتلة أم لا؟ ما نوع السلطة المستقلة التي حصل عليها الفلسطينيون؟
لن تقر إسرائيل باحتلال الأراضي الفلسطينية. وهو ما لن يسمح لها بضم أراض فلسطينية إليها. ذلك ما يقود إلى الاعتراف بأن سلطة الفلسطينيين ليست إدارة محلية، بل هي دولة مستقلة. أبهذه البساطة يحصل الفلسطينيون على دولتهم المستقلة؟ لو كان الأمر كذلك لفعلها الفلسطينيون منذ سنوات.
مشكلة الفلسطينيين تكمن في عجزهم عن فك ارتباط القرار السياسي عن العامل الاقتصادي. وهو في حالتهم يعني استمرار خضوعهم للإملاءات الإسرائيلية.
ليس مسموحا لأبي مازن أن يمارس نوعا من المراهقة الثورية في مقابل ما يتوقع حدوثه من انهيارات اقتصادية لا يمكن تفادي وقوعها.
لم يعمل الفلسطينيون طوال سنوات السلطة على تدعيم جبهتهم الاقتصادية. ذلك كان خطأهم القاتل. لذلك فإن إسرائيل لا تزال ممسكة بالعصب الأساس لحياتهم. وهي على استعداد لقطعه في أية لحظة من غير أن يؤثر عليها ذلك في شيء.
مشكلة الفلسطينيين إذاً اقتصادية. لذلك لن تكترث الولايات المتحدة بالقرار الثوري الذي أعلنه رئيس السلطة بايقاف العمل بالاتفاقيات معها. بالنسبة لها فإن ذلك القرار يعفيها من مسؤوليات كثيرة. لا أعتقد أن محمود عباس سيجد مخرجا بديلا. الرهان الحقيقي على من يخلف عباس في الحكم. فالرجل إضافة إلى كبر عمره كان رهينة صفقات ناقصة.
فالتبعية الاقتصادية لإسرائيل هي من نتائج اتفاق أوسلو وإن كانت قد نُظمت من خلال اتفاقية باريس 1994. ويمكن التركيز هنا على تشغيل الأيدي العاملة الفلسطينية داخل إسرائيل مقابل فتح السوق الفلسطينية للبضائع الإسرائيلية. إضافة إلى أن الاقتصاد الفلسطيني كله مرتبط بالعملة الإسرائيلية.
وما يؤكد التقاعس الفلسطيني أن تلك الاتفاقية لم تجر إعادة النظر فيها بالرغم من أن مدة نفاذها قد حددت بخمس سنوات.
في ظل تلك المعطيات فإن الفلسطينيين سيكونون دائما هم الطرف الخاسر إذا لم تتغير الاستراتيجية السياسية بعيدا عن القرارات (الثورية) التي لا تنطوي الحماسة لها على تفكير يضع الواقع المباشر في حساباته.
يحتاج الفلسطينيون إلى العلاقة المباشرة بإسرائيل. ذلك شرط حياة سياسي. غير أن تلك العلاقة ينبغي أن تضمن لهم قدرا واضحا من الاستقلالية والقدرة المستقبلية على الاكتفاء الذاتي. وهو السبيل الوحيد الذي يمهد لقيام دولة فلسطينية كاملة المقومات.
أما أن يستمر الاقتصاد الفلسطيني في تعكزه على إسرائيل فما ذلك إلا نوع من صياغة الواقع بطريقة يكون فيها الاحتلال حلا لا غنى عنه وهو ما يسمح لإسرائيل بالاستمرار في سياسة الضم.
الفلسطينيون في حاجة إلى استراتيجية اقتصادية تتخطى اتفاق باريس. وهم في ذلك يحتاجون إلى إقناع الولايات المتحدة قبل إسرائيل بأن الاستثمارات العربية ضرورية لإنهاء حالة العجز التي تقيدهم بتبعية، صار معها التفكير بقيام دولة فلسطينية مجرد وهم.
استمرار الوضع على ما هو عليه يريح إسرائيل، لذلك فإنها تنظر باستخفاف إلى أي قرار ثوري فلسطيني. تلك قرارات لا تتخطى الورق أما الإنسان فإنه في حاجة إلى العمل، مصدر رزقه وهو ما يجده في إسرائيل. تحرير الإنسان أولا، وهو ما لا يتم إلا عن طريق تحرير الاقتصاد من التبعية.