فاروق يوسف يكتب:

أن تتأثر بنزاهة

بعض الفنانين الكبار ينبغي عدم التأثّر بهم. جياكومتي، هنري مور، بيكاسو، فرانسيس بيكون على سبيل المثال لا الحصر. هؤلاء كل واحد منهم هو أشبه بشبكة عنكبوت لا يمكن الخروج منها بيسر.

في البدء يشعر المرء بمتعة أن يتعلّم منهم بعدها تحلّ الرغبة في اكتشاف الأسرار التقنية التي تنطوي عليها تجاربهم، ومن ثم تطبق المتاهة بدروبها المتشعّبة على الخطوات الحائرة. لا إياب ولا ذهاب. دوران في المكان نفسه وما من معنى للحركة.

يغرق البعض نفسه في وهم أنه قد حقّق ما كان يصبو إليه. إنه يرسم الآن مثل معلّمه. ما معنى هذا؟ لا شيء إذا ما عرفنا أن المرء قد فقد شخصيته وذاب كليا في هواء مثاله، وهو المعلم الذي صار ينتج بعد وفاته أعمالا فنية تتشبّه بأعماله ولكنها في الحقيقة مزورة. ذلك لأنها من صنع آخرين قادهم التأثّر الأعمى إلى أن يضيعوا في متاهته.

وعلى الجانب الآخر تكمن الفضيحة. هناك سلسلة هائلة من النحاتين عبر العالم تأثّروا بأعمال جياكومتي النحتية لم ينج منهم إلّا عدد قليل أما البقية فقد كانوا مجرّد مقلدين لا أحد يلتفت إلى منحوتاتهم. فهي أضعف من أن تُنسب إلى معلمّهم وهي أقل قيمة من أن يتم الالتفات إليها.

ولكن هل المطلوب أن يتحاشى الفنانون النظر إلى أعمال الكبار من أجل عدم التأثّر بها؟ كان هنري ماتيس لا يُخفي تأثّره بمن سبقه من الرسامين، وكان يشبّه نفسه بالأسد الذي يلتهم الخراف فلا يتحوّل إلى خروف. التأثر أمر لا بدّ منه. والفنان الحقيقي هو من يتأثر بسبب حساسيته المفرطة ورغبته في التعلّم واكتشاف أسرار الجمال.

ولكن ما يهب التأثّر قيمته ويجعله فعلا إيجابيا يكمن في محاولة اكتشاف مواقع القوّة في تجارب المعلّمين الكبار واستخراج المواد الخام منها واستعمالها بطريقة جديدة.

ذلك ما يعطي التأثّر معنى الاستمرار في الخلق الفني. وهي مُعادلة تمنع بما تتميّز به من نزاهة الوقوع في التقليد الأسلوبي الذي لن يكون إلاّ نوعا من التزوير.