د. علوي عمر بن فريد يكتب لـ(اليوم الثامن):
تجار الحروب والمرتزقة في اليمن بين الذهب والمذهب!!
تجار الحروب والمرتزقة في اليمن لا يحملون مبدأ، ولا ينحنون لأخلاق ولا ينقادون لقيم، ربهم الدرهم والريال والدولار،لأن بضاعتهم مغشوشة، وعقولهم موبوءة، وأخلاقهم معدومة، سرعان ما ينقلبون على سيدهم الأول ليقفوا بجانب سيدهم الجديد، كما فعلوا مع صالح !!
فالعبد إن طالت عبوديته لا يستطيع أن يستلذّ بطعم الحرية بسهولة، فيفضل أن يظلّ عبدا، حتى لو أعتقه سيده!!
وهذا هو ما يجري في اليمن منذ 6 سنوات والحبل على الجرار.
يصف" وليم أولتمان" عمل المرتزقة، بأنهم:
«يمارسون أعمالاً لا تخطر على بال، وأخطر بكثير مما يفعله الجنود النظاميون، ولا ينطبق عليهم ما ينطبق على البشر، لأنهم بلا مشاعر أو ضمائر، ومن أين تأتي الضمائر لبشر مهنتهم القتل مقابل المال». ويعرف المقاتل المرتزق بأنه المقاتل الذي يقوم بعمله العسكري بمقابل مادي، وعادة ما يطلق مسمى المرتزقة على من يخدمون في القوات المسلحة سواء داخل بلدهم أو لحساب بلد أجنبي مقابل المال. وإذا شح المال أو انقطع يبحثون سيد آخر !!
في اليمن ولعله البلد الوحيد في العالم الذي تنقسم فيه القبيلة بل الأسرة الواحدة فتجد الأب في جانب والابن في الجانب الآخر والجميع متفق على ذلك وما يجري اليوم من مسرحيات ومهازل الارتزاق بين الحوثي والشرعية أصبحت لعبة مكشوفة !!
وبالمناسبة فقد أرسل لي صديق كان يعمل في السلك الدبلوماسي وله خبرة وبراعة في مجاله أرسل لي حوارا دار بين الرئيس عبد الناصر والرئيس اليمني الأسبق القاضي عبد الرحمن الارياني مما شجعني أن أكتب هذا المقال اليوم وإسقاط أحداثه على ما يجري من حروب متواصلة في اليمن بالأمس القريب وحتى اليوم جاء فيه ما يلي :
يقول القاضي في مذكراته:
التقيت بالرئيس جمال عبد الناصر للمرة الثانية بعد الثورة وعلى انفراد، وشرحت كل ما لديّ، وقلت له من الضروري أن تعالج مشكلة اليمن مع السعودية بالتفاهم والطرق السلمية، وأنه إذا لم يتم ذلك فإن الحرب ستطول وتطول!!
فقال لي الرئيس:
لا تتشاءم؛ فقد وصلتني جوابات من اليمن تقدر ب "الأسابيع" للتخليص على بعض الجيوب الباقية، كما جاءني جواب من "الغادر " يقول فيه: انه لم يخرج على الجمهورية إلا لكون رئيسها السلال، وهو لا يرضى به، وطلب الأمان ليصل القاهرة، وإذا جاء ولم نتمكن من إقناعه بالسلال أقنعناه بالبقاء في "القاهرة"!!
قلت له (والحديث للقاضي الإرياني):
يا سيادة الرئيس، المثل يقول: أهل مكة أدرى بشعابها، ونحن أخبر ببلادنا وتاريخ قبائلها، فما دام قد وجدوا من يدفع الذهب، وهو ما لم يألفوه، ويأتي بالسلاح، وطمّعهم به أكثر من طمعهم بالمال، فإن الحرب ستطول، وعلينا أن نقدر لها السنين لا الأسابيع ولا الشهور..!!
وقلت له:
خذوا مثلاً على ذلك، لقد كان الإمام يحيى في مطلع العشرينات على حرب مع الإمام محمد بن علي الإدريسي الذي كان يحكم جيزان وعسير والمخلاف السليماني، ويبسط نفوذه على الحديدة وما وراءها شمالا، وكانت القبائل اليمنية الشمالية هي التي تحارب في صفوف الإمام يحيى وفي صفوف الإمام الإدريسي،
وكانوا يذهبون للحرب مع الإدريسي من أبواب الإمام يحيي، فإذا عُوتبوا لخروجهم على إمامهم قالوا هذا إمام المذهب (يعنون الإمام يحيى)، وذا ك إمام الذهب (يقصدون الإدريسي).
وكانوا متفقين على أن لا يسمحوا بقيام معركة حاسمة لصالح أحد الجانبين المتحاربين، ويدعون الله أن ينصر الإمام نصف نصر، وينصر الإدريسي بالنصف الثاني؛ حتى تستمر الحرب ويدوم الارتزاق..!!
وقلت: إنهم يحترفون الحرب كمرتزقة، ومادام قد وجدوا من يمونهم بالمال والسلاح وهو من لا يؤتى من قلة فإن الحرب ستطول، وإن شقاء اليمن سيستمر إلى أمد يعلمه الله..!!
فأجاب الرئيس جمال عبد الناصر:
ألم أقل لك لا تتشاءم؟؟ إن قواتنا قادرة على الحسم ووسائل الحسم متوفرة لديها.. لديها الدبابات والطائرات والمدافع المختلفة العيارات، لم تعد البندقية هي الوسيلة، وأنا أقدر لإنهاء العملية والتخليص على الجيوب الباقية خلال أربعين يوماً..!!
قلت له:
وأنا أدعو الله سبحانه أن يحقق أملكم، ومع ذلك أرجو أن تسجلوا لي هذا الموقف الذي وقفتُ فيه موقف الناصح الذي لا يدفعه إلى النصيحة إلا حبه لوطنه وتقديره لجميلكم وعونكم، وقد تذكرون هذا الرأي المنبعث من الإخلاص والتقدير والصادر عن تقدير صحيح للأمور..(1)
هذا هو اليمن لمن لا يعرف اليمن تاريخ أسود وعناوين باهتة لمشاريع كاذبة أساسها الغدر والخيانة لا تلتزم بدين ولا أعراف ولا تقاليد ولا قيم والدماء مقابل المصلحة ليست معصومة بل مهدرة والحروب تشتعل في كل مكان وتطحن كل من يقف في طريقها ...قبائلها توالي للأقوى وتسلم خناجرها طواعية ولا تخرجها من أغمادها إلا لرقصات البرع وتترك أبواب منازلها مشرعة لسادتها وتتغاضى وتنسى من يدوس على كرامتها والترضية رأس ثور وعدة بنادق وزامل يطلب السماح ممن سلبوه ما هو أغلى من الشرف والكرامة !!.
وأخيرا أقولها همسا لمن لا يخجلون ويعشقون العبودية أما آن لكم أن تستعيدوا ولو القليل من كرامتكم المهدرة والمسفوحة !!
أما آن لكم أن توجهوا بنادقكم نحو غاصبيكم في صنعاء فهي الأولى بالتحرير من عدن والجنوب الذي كان ينظر إليكم كأشقاء ولكن تبين لهم أنكم لستم إلا عبيدا تخليتم عن حريتكم وفقدتم كرامتكم !!
د.علوي عمر بن فريد
1- المرجع مذكرات الرئيس القاضي عبد الرحمن بن يحيى الإرياني رحمه الله، الجزء الثاني ١٩٦٢-١٩٦٧