الحبيب الأسود يكتب:

كلّ يغني على داداه

ترعرعت في محيط أسري ينادي العمة بمفردة “داده”، علمت وأنا صغير أن ذلك التقليد فرضته إحدى الجدات الأوائل لسبب غير معلوم، ثم استمعت لاحقا لأغنية الفنان التونسي الراحل أحمد حمزة “يا داده”، والتي يصف من خلالها لداداه قصة ذهابه في رحلة صيد ليقع في شراك الفتاة البدوية عاشقا مدنفا، دون أن يتضح من هي تلك الدادة: هل هي الأم أم الجدة أم الشقيقة الكبرى؟

عرفت لاحقا أن هناك مناطق تونسية وخاصة في الجنوب تطلق كلمة داده على الأم، ومن هناك ظهرت عبارة “الدادة الولّادة” في إشارة إلى البلاد، وفي قفصة هي الجدة، وفي جربة هي السيدة من غير السكان الأصليين.

وفي اللغة الأمازيغية، توجد مفردة دادا بمعنى الجد سواء للأب أو الأم، وهناك أغنية مغربية شعبية واسعة الانتشار يقول طالعها “دادا حياني جاك النعاس وأنا ما جاني”، ويبدو أن هذا المعنى الذي يمكن به تفسير أسماء بعض القرى في المغرب مثل أولا داده في جهة الدار البيضاء وداده علي في إقليم تاوريرت.

وإلى جانب الجد تستعمل كلمة دادا في الجزائر، وتختصر أحيانا بـ”الدا” تقديرا لعموم كبار السن والشخصيات ذات الوزن الاجتماعي، وقد تكون سمة الوجاهة وراء وجود أسر عدة تحمل أسماء ولد داده في المغرب، وفي موريتانيا التي كان مختار ولد داداه أول رئيس لها من نوفمبر 1960 إلى يوليو 1978.

وبمزيد البحث تبين لي أن كلمة دادا هي صفة تشريف لدى عموم البربر من أمازيغ وطوارق، وقد أوردها ابن خلدون كصيغة تعظيم لزعماء البربر من قبيل “أوصى دادا يغمراسن لدادا عثمان فقال له يا بني إن بني مرين بعد استفحال ملكهم واستيلائهم على الأعمال الغربية وعلى حضرة الخلافة بمراكش، لا طاقة لنا بلقائهم”.

وتطلق المفردة في غدامس الواقعة في المثلث الحدودي مع تونس والجزائر على الأب تماما كما هو الحال لدى الشاوية وهم إثنية في الغرب الجزائري، وتطلق على الأخ الأكبر في سطيف ونواحيها من باب التوقير، لكنها ترمز في مناطق أخرى لحاضنة الأطفال والسيدة التي تعوض الأم في إرضاع المولود، وفي بعض مناطق الحجاز ومنها مكة ينادي بها الجد أو الأخ الأكبر، وفي مصر تعني مربية الأطفال وظهرت شخصية الدادة في السينما المصرية، حتى أن الفنانة ثريا فخري لقبت بـ”دادة السينما المصرية”، نظرا لكونها واحدة من أكثر الفنانات اللاتي جسدن شخصية المربية الحنونة الطيبة، ويعتبر دورها في فيلم “الشموع السوداء” واحدا من أشهر أدوارها التي جسدت خلاله دور “الدادة”، فعُرفت من خلاله باسم “دادة حليمة”، وكذلك برزت فنانات أخريات في دور الداده من بينهم أمينة رزق وشادية وفردوس محمد وفاطمة محمد، وصولا إلى ياسمين عبدالعزيز في الفيلم الكوميدي “الداده دودي”.

وهنك داده في اللغة التركية معناه: الجدة، المربية، الوصيفة، الخادمة. وتطلق على المذكر والمؤنث بهذه المعاني. وهي عندهم “دَدَه” من غير ألف، كما أن “دادَه” بالفارسية اسم مفعول من المصدر “دادن: العطاء” بحذف النون وإضافة هاء ساكنة مكانها، فيصبح المعنى: العطية أو الهبة، لكن في العراق يختلف الأمر حيث تعتبر داده لفظة فيها الكثير من الحب واللطف والتودد، ويقول الدكتور محسن بن سليمان العطيات العطوي أن (دادا) متحولة من (داد-ادا) في اللغة الأكادية وهي من لغات بلاد ما بين النهرين القديمة، لذلك فإن معناها الأصلي هو الأب ثم تطور ليشير إلى المحبوب عموما، وهو ما عبرت عنه أغنية عراقية عنوانها “يا روحي ويادادا” أدتها الفنانة التونسية يسرى المحنوش، كما تطلق لفظة “ادا” على الأقرباء من جهة الأب أي أن اللفظة الكاملة “داد-ادا” أي “دادا” تعني الأحبة.