إدوارد جي ستافورد يكتب:
هل يدعم ترامب تدخلات أردوغان العسكرية في ليبيا؟
لاقى تحسن العلاقات بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ونظيره الأميركي دونالد ترامب اهتماما كبيرا في الآونة الأخيرة.
ففي شهر يونيو، قال أردوغان إن الرئيسين تواصلا حول التطورات في ليبيا إيجابيا دون تقديم تفاصيل جوهرية عن المناقشات. فما تأثير علاقاتهما الشخصية الإيجابية الحالية على الأحداث هناك؟
أعلنت واشنطن دعمها لحكومة الوفاق الوطني المدعومة من تركيا في معركتها ضد الجيش الوطني الليبي الذي يقوده المشير خليفة حفتر، والذي تدعمه دول مثل روسيا ومصر وفرنسا والإمارات العربية المتحدة.
لكن دعم الولايات المتحدة لحكومة الوفاق الوطني يبقى دبلوماسيا، حيث أن سفارة الولايات المتحدة في ليبيا موجودة في تونس.
قيل إن روسيا وظّفت أفرادا من عملائها السوريين والسودانيين لتعزيز قوات مجموعة فاغنر لدعم حفتر. لكن فرنسا تعارض الإجراءات الروسية، وتدين التدخل التركي في نفس الوقت، دون أن تقدم الكثير من الدعم المادي. فمثل الولايات المتحدة، تدعو باريس جميع الأطراف إلى الاتفاق على وقف إطلاق النار والتفاوض على تسوية للصراع.
كما اشتعل التوتر في حوض المتوسّط مع رغبة أنقرة في التنقيب عن المواد الهيدروكربونية في المناطق المتنازع عليها في الشرق. ولتحقيق أهدافها، أبرمت اتفاقا مع حكومة الوفاق اعتبرته أطراف مثل اليونان وقبرص غير قانوني.
ويتساءل المرء عما إذا كان ترامب مُحقّا في تجنّب أي تدخل في حرب ليبيا.
بالنسبة إليه، تعدّ الأزمة على الأرجح مجرد صراع آخر في “ذلك الجزء من العالم”، ولا يستحق استثمار القوات الأميركية والتضحية بحياة جنودها. وكما شهدنا في شمال سوريا، يبدو الرئيس الأميركي أكثر استعدادا للسماح لنظيره التركي بتحمّل كلّ الأعباء والتكاليف والمخاطر. في المقابل، يتطلع أردوغان إلى الفوائد التي يمكن أن يجنيها من الصراع، ولكن مطامحه تقتصر على صورته ومكانته الإقليمية، ولا تمتد لتشمل مصالح تركيا أو شعبها.
يريد الرئيس التركي أن يكون لاعبا رئيسيا في الشؤون الإقليمية، وأن يستعيد نفوذ تركيا العثمانية التي توسّعت في القرون الماضية. وقد سعى في السابق إلى إرساء نفوذه من خلال الدبلوماسية والتعاون الاقتصادي والاستثمار والتعليم.
لكن، تكشف الحملات العسكرية الأخيرة في سوريا، وإنشاء قاعدة في قطر، والتدخل العسكري المباشر في ليبيا عن تضاعف استعداده لاستخدام الموارد العسكرية لتوسيع نفوذه وتحقيق الهيمنة.
في ليبيا، يمكننا أن نتوقع أن يدفع أردوغان باتجاه الصراع مع القوات المدعومة من روسيا، وحتى الأفراد الروس المتواجدين هناك. ولكنّنا لا نتصوّر أنه يرغب في دخول صراع مفتوح مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
تعدّ استراتيجية الرئيس التركي محفوفة بالمخاطر، ولكن العلاقات الوثيقة بين القوات الروسية والتركية في سوريا (على الرغم من دعمها لأطراف متعارضة) قد تكون بمثابة نموذج لكيفية إدارة العلاقات لتحقيق أقصى فائدة مع “خسائر مقبولة” (مقبولة بالنسبة للدولة التركية التي يقودها، وليس أقارب الجنود الذين قتلوا في صراع مع القوات الروسية أو المدعومة من روسيا).
في نفس الوقت، يحاول أردوغان حشد أولئك الذين يعارضون الجهود الروسية لفرض سيطرته على الشؤون الليبية والنفط، ومن أجل تشتيت الانتباه عن تحركات تركيا في المنطقة الاقتصادية الخالصة لقبرص ضد مصالح دول مثل مصر وإسرائيل.
كما أنه يصرف الانتباه عن سلوك حلفائه المتمرّدين الوحشي في شمال سوريا، على الرغم من أننا نتوقع أن يرجعوا إلى دائرة الضوء مع أنشطتهم في ليبيا بعد أن جنّدتهم تركيا للقتال في صفوف حكومة الوفاق.
ولا تقوّض مغامرات أردوغان خارج حدود بلاده قدرته على مراقبة الوضع السياسي الداخلي. ونرى الكثيرين في قاعدته فخورين به لـ”رفعه مكانة تركيا في العالم”، مع تركيز التقارير الصحافية التي تخدم الحكومة والتي تُركّز على انتصاراته دون إيلاء الكثير من الاهتمام للخسائر في الأرواح أو الاقتصاد.
وكما هو الحال في سوريا، إذا بقي عدد القتلى أو الجرحى من الجيش التركي منخفضا، فمن المحتمل ألا يواجه ردّ فعل قويا من معظم الناخبين الأتراك.
وقد يعيق دعمه حكومة الوفاق بدلا من الولايات المتحدة الدعوات لفرض عقوبات على تركيا لتواطئها مع موسكو بشرائها نظام الدفاع الصاروخي أس-400 رغم معارضة دول الناتو.
ولكن ماذا عن الحكم الأخير على متين توبوز، الموظف في القنصلية الأميركية في إسطنبول، والذي يحاكم بتهمة التجسس؟ وقد حكمت محكمة في إسطنبول على توبوز بالسجن ثماني سنوات. ألا يهم الأمر ترامب؟ ربما لا يهتم كثيرا.
يحيل موقف ترامب “أميركا أولا” غير الأميركيين، وحتى الموظفين المخلصين في بعثاتها الدبلوماسية، إلى وضع أقل لا يستحق إجراءات مثل سنّ العقوبات ضد الوزراء الأتراك، والتي طُبّقت في قضيّة المواطن الأميركي القس أندرو برونسون الذي سجنته السلطات التركية أيضا.
وماذا عن التقارير التي أشارت إلى أن ترامب أمر مكتب التحقيقات الفدرالي بالتحقيق في أنشطة فتح الله غولن في الولايات المتحدة لمعرفة ما إذا كان يمكن ترحيل رجل الدين الذي تتهمه تركيا بتدبير انقلاب فاشل في 2016؟
قد تكون التقارير صحيحة، ولكن من غير المحتمل أن نشهد ترحيل غولن قريبا، فهو مقيم بشكل قانوني ودائم في الولايات المتحدة، ويتطلّب الأمر إدانته بجريمة تمكّن من اعتماد قانون الهجرة الأميركي لترحيله.
وبينما قد يفكّر الكثيرون في الولايات المتحدة في ترحيل غولن لتحسين العلاقات مع تركيا، لا يسيطر ترامب على نظام العدالة أو القضاء في الولايات المتحدة كما يفعل أردوغان في تركيا.
يبدو أردوغان متلاعبا بليبيا وترامب، مستفيدا من الأوضاع الإقليمية لتشتيت الانتباه عن المشاكل الداخلية، وتأخير العقوبات الأميركية، وتوسيع النفوذ التركي في الخارج، وتوسيع قاعدته الانتخابية.
لكن الأمور قد تتغير إذا سجّلت القوات التركية خسائر جسيمة في أفرادها خلال معاركها الخارجية. ولا يأمل أي شخص شريف في رؤية ذلك.