إدوارد جي ستافورد يكتب:

أردوغان يخاطر بتأجيج مواجهة في شرق المتوسط

شرع الرئيس رجب طيب أردوغان، بعد أن حقق بعض النجاح في جهوده لنشر النفوذ التركي في المناطق المجاورة التي كانت جزءا من الإمبراطورية العثمانية سابقا (سوريا وليبيا وقطر)، في إعادة الهيمنة التركية شرق البحر المتوسط.

وعلى عكس الجهود المبذولة في سوريا، والتي بدأت بالتركيز على وساطة تحولت إلى مواجهة، أرسى أردوغان في شرق البحر المتوسط ​​ منذ البداية تكتيكات مواجهة لدعم هدفه الاستراتيجي. ويتجلى هدفه في الهيمنة التركية على تلك المنطقة البحرية​​، وهو شرط ضروري إذا ما أراد أن يحقق هدفه الشامل المتمثل في جعل تركيا القوة المهيمنة في الشرق الأوسط.

كما هو حال الإجراءات الأخرى، يبتعد أردوغان عن موقف أتاتورك الذي يركز على الدفاع عن الوطن، ويميل إلى النزعة التوسعية العثمانية التي ركزت على السيطرة على مختلف الشعوب غير التركية.

تستخدم تركيا في عهد الرئيس أردوغان الوكلاء لتوسيع سلطتها ونفوذها، وهذا أحد التكتيكات التي كانت تستخدمها الإمبراطورية العثمانية مع الدول العميلة والقوات الحليفة التابعة لها، ولا تزال هذه الممارسات موجودة في الأنظمة الإمبريالية. وفي ليبيا، أرسلت تركيا مجندين سوريين إلى جانب قواتها. وفي سوريا، جنّدت السكان والمقاتلين الأجانب. ويبقى أن نرى كيف ستساهم قطر بأفراد في العمليات التركية في الخارج.

يعد استخدام الوكلاء في العصر الديمقراطي أكثر فائدة مما كان عليه في أيام النظام الملكي، فقد تكون خسارة جنود البلاد في مغامرات خارجية مكلفا في صناديق الاقتراع. وباستخدام وسائل النقل الجوي الحديثة، يمكن نقل الوكلاء بسهولة إلى الأماكن التي تشتد الحاجة إليهم فيها، من المنطقة الحدودية السورية إلى ليبيا، على سبيل المثال.

لكن استخدام الوكلاء لتقليل المخاطر التي يتعرض لها الأفراد أو إنكار المشاركة المباشرة في المغامرات لا يتم بسهولة في البحار. فالقوات البحرية المتحالفة ليست مثل الميليشيات البرية التي تجندها وتحتفظ بها. وهذا ما يفسر سبب ضعف الهيمنة العثمانية على شرق البحر المتوسط ​​دائما، حيث كانت تعتمد على البحارة من الدول الخاضعة مثل اليونان ومصر.

وبالتالي، إذا حاول أردوغان السيطرة على شرق المتوسط ​​من خلال تكتيكات المواجهة، ومواصلة مقاومة جهود وساطة الاتحاد الأوروبي وغيره، فسوف يرسل الأصول والأفراد العسكريين من تركيا. ولن يكون قادرًا على زعم أن التصرفات المنتهكة ارتكبتها قوات لا تخضع للقيادة التركية. كما تنطوي تكتيكات المواجهة في البحار على قدر كبير من المخاطر.

قد يخاطر الرئيس أردوغان مع بقاء الولايات المتحدة الوسيط الوحيد القابل للتدخل بين تركيا أردوغان ودول شرق البحر المتوسط. ومع ذلك، لم يُظهر أردوغان اهتمامًا بجعل الولايات المتحدة تعمل كوسيط نزيه، بل أرادها أن تلعب دور الداعم. وتشير تعليقات بومبيو الأخيرة إلى تحول متزايد (وإن كان خفيفا) في وجهات نظر الولايات المتحدة تجاه تركيا كمتعاون موثوق به. ولم يمر رفض تركيا المستمر لمتابعة علاقة إيجابية مع إسرائيل كجيرانها العرب، وكوسوفو ذات الأغلبية المسلمة، دون أن يلاحظه أحد.

ولا يمكن للاتحاد الأوروبي أن يكون وسيطًا لأن قبرص واليونان عضوان فيه، مما يجعله محاورا متحيزا لن يقبل الرئيس أردوغان توسطه (ربما التفاوض معه، ولكن ليس توسطه).

وتتبع روسيا مصالحها الخاصة. وعلى الرغم من أن سيرغي لافروف قد يعرض لعب دور الوسيط النزيه، إلا أنه يلعب دورا في لعبة عالية المخاطر هذه في شرق المتوسط. ويمكن لتركيا الاعتماد على الدعم الروسي لبعض الوقت، حتى يدرك لافروف وبوتين أن المصالح الروسية هناك لا تتوافق مع المصالح التركية. قد يستغرق ذلك بعض الوقت. لكن، يصعب أن نتخيل أن أردوغان سينخدع ويتصور أن روسيا يمكن أن تكون وسيطا محايدا بين تركيا والاتحاد الأوروبي (اليونان وقبرص) نظرا لمصالحها الخاصة في المنطقة. إن الدرس المستفاد من سوريا واضح: تسعى روسيا لتحقيق مصالحها الخاصة دائما.

ربما يمكن للصين، وهي قوة كبرى بعيدة عن المنطقة، أن تتدخل للوساطة، لكن مكائدها في هونغ كونغ وكوفيد-19 كشفت عن افتقارها إلى القدرة على الوساطة والمفاوضات المفتوحة.

يجب أن تكون القوة كبرى، لأنه من غير المرجح أن يبدي أردوغان احتراما كبيرا للاعبين الصغار في اللعبة الجيوسياسية. لكن القائمة قصيرة ويبدو كل عنصر منها مفتقرا إلى الموقف المحايد المطلوب فيما يتعلق بنزاعات شرق البحر المتوسط. ويمكن للأمم المتحدة أن تكثف دورها وتؤدي دورها لمنع الصراع وحل النزاعات  لكن هل سيقبل الرئيس أردوغان هذه المساعي الحميدة؟

سيواصل الرئيس أردوغان استخدام أساليب المواجهة الخطرة لإجبار الاتحاد الأوروبي (اليونان وقبرص) على الانصياع لمطالبه جزئيا على الأقل. سيضع هذا أسسا للجهود اللاحقة لتهميش الاتحاد الأوروبي والآخرين تدريجيا حتى يتمكن من تحقيق هدفه في السيطرة على مياه شرق المتوسط.

يبقى أن نرى ما إذا كان البيت الأبيض سيركز في خضم الحملة الانتخابية، وتحديد من سيتولى خلافة القاضية الراحلة روث بادر غينسبورغ في للمحكمة العليا، ومعركته مع الجائحة العالمية، على الموقف ويحشد الإرادة لتذكير أردوغان بأن تركيا هي حليف تابع لحلف شمال الأطلسي ومن المتوقع أن تعمل مع الحلفاء الآخرين إن لم ترد مواجهة عواقب وخيمة.