إدوارد جي ستافورد يكتب:

أردوغان يمدّ السلطنة إلى القوقاز

لم يكن الرئيس أردوغان راضيا عن نتائج جهوده لتوسيع نفوذ تركيا في بحر إيجه وشرق المتوسط، فقد كان الوصول إلى هدفه أصعب مما شهد في ليبيا وسوريا. وقرر دعم جهود الرئيس إلهام علييف في صراع أذربيجان مع أرمينيا المستمر لعقود.

ومع قلة المؤيدين السياسيين الغربيين لأرمينيا، ووضعها داخل المجتمع الديني والثقافي الغربي، ليس على أردوغان إلا مواجهة المصالح الروسية لتوسيع نفوذ تركيا في القوقاز.

وتشير تقارير إعلامية أن تركيا نقلت مقاتلين غير نظاميين متحالفين معها من شمال سوريا إلى أذربيجان كما فعلت في ليبيا. كما باعت أسلحة للبلاد محققة أرباحا لصناعة الدفاع. وفي الأثناء، عملت على إثارة فكرة القومية التركية، داعية الأذريين إلى التعرف على تقاربهم الطبيعي مع الأتراك واحتضانهم، وهي دعوة يساعدها التقارب بين اللغتين، وكلاهما أصبح مكتوبا بالحروف اللاتينية.

ومع اندلاع الأعمال العدائية، أعرب أردوغان عن دعمه الكامل للموقف الأذربيجاني، متجنبا دور الوسيط بين الأطراف المتحاربة. وبينما تدعو الولايات المتحدة مجموعة مينسك للتوسط، تقدم الصين مساعيها الحميدة، وتدعو روسيا إلى الهدوء وإنهاء القتال، وتعرض إيران التوسط في المحادثات. لكن تركيا وضعت نفسها إلى جانب طرف واحد في النزاع. فليس لأردوغان مصلحة في حل نزاع بطريقة لا تعزز من مكانته في أذربيجان ونفوذه السياسي في منطقة القوقاز.

وقد ينال مبتغاه. إذ تبقى الصين بعيدة عن لعب دور كبير، فلديها عدد قليل من الدبلوماسيين المدربين ليكونوا وسطاء صادقين بدلا من الدعوة لمصالح بكين بقوة. ومن المحتمل أن يُنظر إلى إيران، التي يشكّل الأذربيجانيون ربع عدد سكانها مقابل عدد قليل من الأرمن، على أنها تميل نحو باكو على حساب يريفان.

ستحتاج مجموعة مينسك إلى ثقل الولايات المتحدة السياسي الكبير حتى تكون وساطتها فعالة. ومع اقتراب الانتخابات الأميركية، لا يتوقع الكثيرون أن يدعمها البيت الأبيض، أو أن يتدخل بنفسه. وبينما ستصدر الأمم المتحدة قرارات تدعو إلى وقف إطلاق النار، يبقى التحرك لوقف القتال أمرا غير مرجح.

يترك هذا روسيا تقف إلى جانب أرمينيا، وتركيا إلى جانب أذربيجان. ومن غير المحتمل أن تسمح القوتان الأعظم لحليفتيهما بجذب أطراف أكبر إلى الصراع، لكن الخطر قائم.

يتمثل الخطر الأكبر في أن علييف، المدعوم من أردوغان، والذي يبرر أفعاله تحت غطاء دعوات للعدالة، لن يسعى إلى حل وسط وسيطيل القتال. فعلى عكس الأهداف الإقليمية أو المادية المحددة، لا يترك تبرير الحرب بالعدالة مجالا كبيرا لتسوية نزاع يحصل فيه كل طرف على أقل مما يرغب فيه. إذ تزيد تلبية مطالب "العدالة" أو "الشرف" أو المفاهيم المماثلة من احتمال أن يكلف حل النزاع ثمنا باهظا. فكيف يمكن للمرء أن يتراجع رغم استمرار الظلم؟ وبما أن كل جانب سيصر على أن قضيته عادلة، يتقلص احتمال التسوية المعقولة والواقعية.

من المحتمل أن يرى الرئيس أردوغان الصراع الأطول متعارضا مع مصالحه. لكن دعم علييف وأذربيجان بتوفير الأسلحة والدعم الجوي والاستخبارات العسكرية ونقل المقاتلين غير النظاميين (وليس الجنود الأتراك) سيساهم في ترسيخ صورته كمدافع عن جميع الشعوب التركية ضد مناهضي الأتراك المدعومين من الغرب. وسيعزز بذلك الرسالة الضمنية، التي تزعم أنه يدافع عن الأذريين المسلمين ضد الأرمن المسيحيين، وهو السلطان الذي يرفع سيفه للدفاع عن المؤمنين.

لكن عليه توخي الحذر. فقد لا يتفق بوتين مع تركيا في نسختها بشأن تقسيم النفوذ في "الخارج القريب" كما فعل في سوريا وفي ليبيا بدرجة أقل.

أما في الكونغرس الأميركي، فلن يرحّب العديد من الأعضاء بدعم أردوغان الكامل لأذربيجان، لا سيما أولئك الذين لديهم روابط متينة مع المجتمعات الأرمينية الأميركية. وتبقى نظرة مجلس النواب الأميركي الذي يهيمن عليه الديمقراطيون لأردوغان سلبية، مما سيعزز استجابته لأصوات اللوبي الأرمني الأميركي.

من جهة أخرى، أظهر البيت الأبيض نفاد صبر متزايد وموقفا أقل دعما لأردوغان. ومع ذلك، من غير المرجح أن يدفع وزير الخارجية مايك بومبيو الولايات المتحدة إلى الأمام كوسيط بين الخصمين القوقازيين. وبدلا من ذلك، يدعو إلى منح دور أكبر لمجموعة مينسك لكسب الوقت إلى ما بعد انتخابات 3 نوفمبر.

باختصار، من المرجح أن يحقق الرئيس أردوغان هدفه المتمثل في زيادة مكانته ومكانة تركيا بين الأذريين ومعظم الشعوب التركية الأخرى في المنطقة، بالإضافة إلى إقناع نفسه بأنه الحامي والمدافع البارز عن الشعوب التركية والمسلمة أينما كانت. ومثل القادة الإمبرياليين، اعتمد على الدول العميلة والحلفاء التابعين لحماية نفسه من خطر خسارة الأصوات إذا قُتل الجنود الأتراك وهم يقاتلون من أجل الآخرين وليس وطنهم الأم. وتبقى عملياته الأخيرة في قره باغ خطوة أخرى في عملية تفكيك توجه أتاتورك العلماني والغربي لتركيا.