تاج الدين عبد الحق يكتب:

ماذا وراء ترشيق الإعلام الإماراتي؟

ليست هذه، هي المرة الأولى، التي يكون فيها للإمارات قصب السبق والمبادرة، في إحداث نقلة بآليات عمل المؤسسات الإعلامية المحلية، فقبل التغييرات الحكومية الجديدة، التي أعلنها الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس دولة الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، والتي تم فيها دمج مؤسسات إعلامية وإلغاء الكيانات المستقلة لمؤسسات أخرى، كانت دولة الإمارات، قد ألغت مع تولي الشيخ محمد بن راشد مسؤولية رئاسة الحكومة الاتحادية قبل أكثر من عقدين، وزارة الإعلام وحولت اختصاصاتها إلى هيئة مستقلة هي المجلس الوطني للإعلام، في اعتراف مبكر بأن عصر الرقابة الحكومية المباشرة على أداء الإعلام لم يعد متناسبا مع التطور الهائل في صناعة الإعلام بوسائلها المختلفة المقروءة والمرئية والمسموعة، خاصة أن تلك الوسائل أصبحت عابرة في محتواها ووسائلها للحدود ومتحررة من كل القيود، التي ظلت تكبلها وتجعلها متخلفة عن ركب الإعلام الحديث.

اليوم تطلق الإمارات جرعة تجديد أخرى في العمل الإعلامي، من خلال إلغاء أو دمج بعض الكيانات الإعلامية الحكومية، فيما بدا أنه محاولة جادة، للتكيف مع الإعلام الجديد بكافة صنوفه وآليات عمله المتطورة.

فعلى سبيل المثال تم دمج وكالة أنباء الإمارات، التي كانت المنبر الرسمي الذي يرصد ويتابع النشاط الحكومي بكافة مستوياته، لتصبح إدارة ملحقة بوزارة شؤون الرئاسة التي تشكل حلقة الاتصال اليومية بين مختلف المرجعيات السيادية.

هذا الإجراء، ليس تغييرا شكليا، بل هو استجابة عملية لواقع إعلامي مختلف، فرضته مستجدات عمل جديدة، خاصة بعد أن أصبح تواصل المسؤولين بكافة درجاتهم، ومواقعهم، مباشرا مع منصات التواصل الاجتماعي ليغدو هذا الأسلوب سمة واضحة في المشهد الإعلامي الإماراتي، وبعد أن أصبح لمعظم المسؤولين في الدولة أو للمؤسسات الحكومية المختلفة حسابات موثقة على تلك المنصات.

ولعلنا لاحظنا طوال سنوات عديدة ماضية، ندرة التصريحات الصحفية التقليدية لوسائل الإعلام المختلفة، وندرة اللقاءات الصحفية بل قلة البيانات التي تصدر عن الجهات الحكومية، فيما كنا نشهد ازديادا واضحا في حجم التواصل المباشر للمسؤولين عبر منصات التواصل للدرجة التي أصبحت فيها، تغريداتهم اليومية، أو حساباتهم الشخصية مصادر المعلومات الرسمية الرئيسة، لوسائل الإعلام الحكومية، ليأخذ ما ينشر فيها طابع الازدواجية في المعلومات والهدر في الإمكانيات من دون مبرر منطقي، أو سبب مقبول.

ومن الواضح أن التطور الجديد في دور الأجهزة الإعلامية التي تم دمجها أو إلغاء اختصاصها، سيترتب عليه تغيرا في نوعية وشكل المحتوى الإعلامي الحالي، فبدلا من اعتماد المؤسسات الصحفية على ما كانت تبثه وكالة الأنباء الرسمية، من محتوى جاهز يتم استنساخه بنفس الصيغة ونفس المفردات، أصبح لزاما على تلك المؤسسات أن تبذل جهدا أكبر في صياغة محتواها الخاص وفي انتقاء المواد التي تتناسب مع معايير الجودة والتفرد، إذ إن التغريدات التي يطلقها المسؤولون بعبارات مختصرة ومباشرة تتطلب بعد الآن مهنية عالية من المؤسسات الإعلامية المحلية لجعلها مادة ثرية، غنية بالتحليل والتفاصيل والمتابعات الخاصة.

أما فيما يتعلق بالمجلس الوطني للإعلام فقد بات واضحا أن الدور الذي كان يقوم به كإطار عمل قانوني، لا يحتاج عمليا، إلى هيكل إداري وفني واسع، لم يكن يقل من حيث عديد الكوادر البشرية والإمكانيات الفنية والمالية المشغلة له عن تلك التي كانت تحتاجها وزارات الإعلام في عهود سابقة.

يضاف إلى ذلك أن المجلس الوطني للإعلام لم يتحول إلى كيان محترف، فظلت مرجعيته الفنية، والرسمية ضائعة بين جهات حكومية مختلفة ليست مختصة، فكانت رئاسة المجلس تنتقل حينا من وزير الخارجية لوزير العمل وحينا لوزير التربية وثالثة لوزير الأشغال، فيما بدا ضياعا للهوية الإعلامية المتخصصة التي لم تكن تتناسب ومكانة الساحة الإعلامية الإماراتية التي تستضيف كبريات المؤسسات العالمية.

قرار ترشيق العمل الإعلامي في تشكيلة حكومة الشيخ محمد بن راشد الجديدة، لا يجب أن ينظر إليه كنوع من ترشيد الإنفاق وتحسين استثمار الموارد، بل هو بالدرجة الأولى مبادرة لترشيد المحتوى الإعلامي وتطويره وتمكينه من ملاقاة المستقبل لا انتظاره.