تاج الدين عبد الحق يكتب:

فرص الوساطة الإماراتية في أوكرانيا

حظي الإعلان عن زيارة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، لموسكو، بصدى إعلامي كبير بسبب توقيت الزيارة من جهة، والظروف المحيطة بها من جهة ثانية، والتي تجعل منها حدثًا سياسيًا غنيًا بالاحتمالات والتوقعات، في وقت يحبس العالم أنفاسه وهو يتابع التصعيد الذي تشهده الحرب الدائرة في أوكرانيا منذ عدة شهور، وسط انحسار في مساعي الحلحلة السياسية للأزمة، وتراجع فرص الوساطة وانكفاء الكثير منها؛ بسبب تصلب المواقف وتشابك المصالح.

في مثل هذا الظرف السياسي الدولي الضاغط والمحبط، فإن المكانة السياسية التي يمثلها الشيخ محمد بن زايد، والدور المتنامي الذي يلعبه على المسرح الدولي، يعطيا أملًا جديدًا ويعطيا للزيارة الإماراتية أهمية استثنائية، ويجعلا منها محور اهتمام وترقب في الدوائر الإقليمية والدولية.

الشيخ محمد بن زايد لا يستثمر فقط، في زيارته المنتظرة، علاقاته الشخصية الوثيقة بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ولا بالمكانة التي يحظى بها في الدوائر الغربية التي تجد فيه زعامة غير تقليدية، وجرأة في الاقتراب من الدوائر الشائكة والمواقف الصعبة، ولكنه يتحرك بروح المسؤولية السياسية والأدبية، مدفوعًا بتقديره العميق للحاجة إلى مبادرات سياسية ودبلوماسية من نوع مختلف، تنزع فتيل الخلاف المتصاعد وتمنع انزلاقه إلى مخاطر يصعب تداركها واحتواؤها.

والملفت أن زيارة الشيخ محمد بن زايد لموسكو تأتي بعد سلسلة من الاتصالات والتحضيرات بين أبوظبي وعواصم صنع القرار من جانب، وكذلك مع موسكو في الجانب الآخر، والتي كان أبرزها الاتصالات التي أجراها الشيخ محمد بن زايد في باريس في شهر سبتمبر الماضي مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وفي أبوظبي مع المستشار الألماني أولاف شولتس، فضلًا عن اللقاء الذي جرى بين الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية الإماراتي، ونظيره الروسي سيرجي لافروف، على هامش الاجتماعات الأخيرة للجمعية العامة للأمم المتحدة.

وأهمية الوساطة الإماراتية أو أي مسعى حميد لها من أجل تقريب وجهات النظر بين موسكو والدوائر الغربية، أن هذه الوساطة وذلك المسعى لا يتحركان بوحي النوايا الطيبة التي تحملها الدبلوماسية الإماراتية فقط، بل تكمن أيضًا في المصداقية التي اكتسبتها أبوظبي والتي جعلت دبلوماسيتها مؤثرة، وساعدتها في نسج علاقات ثنائية متطورة مع كثير من الدول والقوى السياسية الدولية والإقليمية، والمشاركة في الجهود الدولية المتعددة الأطراف، والتي تستثمر فيها دولة الإمارات رصيدًا غنيًا من العلاقات وشبكة واسعة من المصالح المشتركة مع دول عديدة حول العالم.

وبالرغم من الأهمية التي تعلقها الدوائر الإعلامية والدبلوماسية على الزيارة الرئاسية الإماراتية لموسكو، فإن مهمة الرئيس الإماراتي لن تكون سهلة ولا بسيطة، فالأزمة في أوكرانيا باتت معقدة، والوصول إلى تسويات يقتضي تنازلات صعبة من الأطراف المعنية، وهي تنازلات قد لا تكون سهلة المنال بعد هذه الفترة الطويلة من المواجهات وقد لا تكون ميسرة، في ظل حالة التصعيد الحالية وضمن ما تظهره الأطراف المعنية من تصلب في المواقف وتشدد في طرح البدائل والحلول.

مع ذلك، فإن العنصر المهم الذي يعول عليه المتابعون لزيارة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان لموسكو، هو أن التسوية السياسية هي الخيار الوحيد المتاح لحل الخلاف بين الأطراف المتنازعة، فالبديل عن التسوية سيكون مدمرًا وتأثيره لن يقتصرعلى الأطراف المتصارعة فقط، بل على الاستقرار العالمي بكافة أبعاده السياسية والاقتصادية، وعلى أمن ومستقبل أجيال برمتها.

والعالم الذي يحبس أنفاسه الآن وهو يتابع التصعيد في العمليات العسكرية في أوكرانيا، سيجد في زيارة الشيخ محمد لموسكو فسحة أمل جديدة، لتبريد الأزمة وفتح المجال للبحث عن مخارج لها ترضي جميع الأطراف وتجنب الجميع كل المخاطر التي قد تنتج عنها.