تاج الدين عبد الحق يكتب:

هل انتهى تنظيم القاعدة؟

بعيداً عن تاريخ أيمن الظواهري، ودوره في إنشاء وبناء تنظيم القاعدة، فإن الرجل عند اغتياله من قِبل المخابرات الأمريكية، لم يكن يمثل عسكرياً أو سياسياً تلك القيمة التي حاول الرئيس الأمريكي جو بايدن الإيحاء بها وهو يعلن عن مقتل الرجل، ويشرح تفاصيل العملية العسكرية المثيرة التي استهدفت زعيم القاعدة، وأدت إلى تصفية آخر القيادات التاريخية المعروفة للتنظيم، إن لم تكن  أسدلت الستار على حقبة كاملة من تاريخ إرهابي أسود تسبب في مقتل مئات الآلاف من المدنيين _وجلهم من العرب والمسلمين_ على مدى عقود من المواجهات الدامية بين الإدارة الأمريكية من جهة، والتنظيم وحلفائه في أفغانستان، وحول العالم، من جهة ثانية.

ويبدو أن الرئيس بايدن كان يبحث عن نصر سياسي، وهو يظهر أمام الإعلام، للتغلب على حالة الضعف التي تبدو عليها الإدارة الأمريكية، وإظهار نفسه بمظهر القائد الواثق، وتجميل صورته المهتزة أمام أزمات يواجهها في الداخل، أو توترات في علاقات واشنطن مع الخارج.

وتشير ردود الفعل المتواضعة على العملية، إلى أنها عملية موضعية لن يكون لها نتائج سياسية، ولن تغير من المعادلة العسكرية التي جعلت تنظيم القاعدة تنظيما هامشيا هرِما، غير قادر على الفعل، وغير مؤثر في مجريات الحرب على الإرهاب.

ولذلك فإن الرئيس بايدن ووزير خارجيته تناولا العملية كعملية انتقامية من الدور الذي لعبه الظواهري في الماضي، دون التطرق إلى أي نتائج مستقبلية ممكنة لما يشكله غياب رئيس التنظيم، والتداعيات العسكرية والسياسية المحتملة، للعملية.

واللافت في ردود الفعل على العملية، موقف حركة طالبان التي حاولت التملص من المسؤولية الأدبية عن وجود أيمن الظواهري على أراضيها خلافا لالتزاماتها بموجب اتفاق الدوحة عام 2020، الذي مهد لعودة حركة طالبان إلى أفغانستان وخروج القوات الأمريكية، والمتعددة الجنسية منها.

فطالبان لم تنكر أو تؤكد وجود أيمن الظواهري على أراضيها عند اغتياله، ووصفت الاغتيال باعتباره اعتداءً على ”منزل سكني“ وأنها لم تكن على علم بالعملية، كما أنها علمت بتفاصيلها العسكرية بعد تحقيقات لأجهزتها الأمنية، دون أن تكشف في البيان الذي أصدرته بهذا الخصوص أن الظواهري كان مختبئاً في المنزل الذي تم استهدافه من قبل المسيرة الأمريكية، كمحاولة منها للتبرؤ من مسؤولية استضافته على أراضي الإمارة الإسلامية، وتأمين ملاذ له.

وعلى صعيد تنظيم القاعدة نفسه، بدا التنظيم عاجزاً عن إظهار ردة فعل فورية على الاغتيال؛ ما يؤكد أن هذا التنظيم وصل إلى حالة من الضعف، ودرجة من التمزق التي تمنعه حتى من التلويح بالانتقام كما كان يفعل في مناسبات سابقة.

وحتى الآن لا يُعرف ما إذا كان التنظيم يملك هيكلية تسمح باختيار خليفة للظواهري، وما إذا كانت هناك شخصيات طامحة لملء الفراغ الذي تركه زعيم التنظيم، وما إذا كان هناك من يملك جرأة الإعلان عن زعامة لتنظيم مهلهل، فاقدٍ للقدرة على حماية قيادته، ناهيك عن القدرة على القيام بدور عسكري، أو لعب دورٍ سياسي، ضمن القواعد الجديدة للحرب على الإرهاب والتي حجَّمت إلى حد كبير قدرة التنظيمات المسلحة على توفير ملاذات آمنة لقيادتها وعناصرها، حتى لتلك القيادات التي تعيش الهزيع الأخير، من حياتها المثقلة، بحسابات الانتقام، ومخاطر التهديد.

وحتى على صعيد الحركات الجهادية في العالم الإسلامي، فإن هذه الحركات تبدو عاجزة عن إظهار أي شكل من أشكال الإدانة للعملية العسكرية الأمريكية وإبداء أي شكل من أشكال التضامن والتعاطف مع الظواهري أو مع بقايا التنظيم الذي كان يقوده، ليقضي الرجل _الذي كانت صورته تحتل الشاشات، وأحاديثه تملأ الفضائيات_ معزولاً، لا في سنوات حياته الأخيرة فقط، بل في مماته أيضا، لتُطوى بموته صفحة سوداء، ملأتها مغامرات تنظيم عدمي، دفع العرب والمسلمون بسببه ثمناً باهظاً، لا نزال نسدد فواتيره.