تاج الدين عبد الحق يكتب:
حتى لا يقوض الانقلابيون الهدنة في اليمن
على أمل أن تكون المعارك التي جرت في محافظة شبوة اليمنية، مواجهات محدودة زمانا ومكانا، فإن محصلة هذه الاشتباكات من القتلى والجرحى، بلغت العشرات، وهو ما يثير المخاوف من مخاطر اتساع نطاق الاشتباكات، وازدياد ضحاياها، بشكل يقوض حالة التهدئة التي يعيشها اليمن حاليا، ويزيد من مخاطر انتقال القتال من مواجهة المعسكر الانقلابي الذي يقوده الحوثيون، إلى صراع فصائلي داخل قوى الشرعية اليمنية نفسها.
ومع أن الاشتباكات بين الفصائل ليست بجديدة على تاريخ الصراع الأهلي في اليمن، كما إنها ليست أكثر عنفا من سابقاتها، فإن هناك من يتخوف من أن يكون للاشتباكات الجديدة خلفيات سياسية أبعد من الأسباب المباشرة، التي كانت وراء اندلاعها.
فالقتال الجديد بين الفصائل في محافظة شبوة، يجيء في وقت تستمر فيه الهدنه الهشة مع الانقلابيين الحوثيين، وهي هدنة تحمل في طياتها أملا لتوفير مناخ إقليمي ودولي ضاغط على أطراف الصراع للانتقال من الهدنة العسكرية إلى التسوية السياسية.
ويبدو أن هناك بعض الأطراف اليمنية التي تحاول استباق التسوية السياسية المحتملة، أو ربما عرقلة الوصول إليها، بالسعي لتعديل الحجم التنظيمي والجغرافي، الذي تحتله تلك الأطراف في خريطة الصراع.
وفي هذا الإطار فإن حزب الإصلاح اليمني الذي يعد الجناح السياسي لتنظيم الإخوان المسلمين في اليمن، الذي ظل يلعب دورا ملتبسا طوال الحرب الأهلية، هو من يحاول خلط الأوراق داخل صفوف الشرعية، والضغط عليها لإصدار قرارات تتناسب مع طموحاته السياسية وأجندته الحزبية وصولا إلى جعل وجوده السياسي وانتشاره الميداني، رقما صعبا، أو مرجِّحا في توزيع أي مغانم سياسية محتملة تترتب على الهدنه الحالية، أو نتائج يمكن أن تحملها جهود التسوية اللاحقة.
ورغم أن الصراع بين طرفي المواجهة الجديدة، حزب الإصلاح من جهة، والمجلس الانتقالي من جهة ثانية، هو جزء من ثأر تاريخي بين الفصيلين، فإن اندلاعه مرة أخرى، في ظل حكومة جديدة ومجلس رئاسي حاكم يحظى بقبول جماهيري نسبيا، يشكل تهديدا لمكانة الحكومة والمجلس في قيادة العملية السياسية المنتظرة ويمنعهما من حصد الثمار التي يمكن لهذه الحكومة أن تتوصل إليها، سواء على صعيد التسوية، أو على صعيد إيجاد مناخات تسمح بالتوصل إلى حلول مرضية للأزمات التي خلّفتها الحرب الأهلية الطويلة.
واندلاع المواجهات داخل صفوف ائتلاف الشرعية لا تكمن مخاطره فقط في تعميق آلام ومعاناة اليمنين، بل في إعطاء الانقلابيين ذريعة للإفلات من أي ضغوط إقليمية أو دولية تجبرهم على الرضوخ لتسويات سياسية تتناسب مع حجمهم السياسي والديمغرافي، كما إنها (المواجهات) تسمح لهم بالمناورة الواسعة في أي مفاوضات لتطوير الهدنة الحالية وتحويلها إلى تسوية سياسية دائمة، يضغط المجتمع الدولي للتوصل إليها.
فالشرعية اليمنية التي تتفاوض على عودة المؤسسات الحكومية لدورها الطبيعي في عموم اليمن ستجد، في ظل الخلافات الفصائلية، صعوبة في إجبار الانقلابيين على التخلي عن مواقعهم الحالية التي جاءت نتيجة الانقلاب على السلطة وبعد الاستيلاء على مقدراتها ومؤسساتها السيادية والخدمية.
ومع أن الرهان على الشرعية، وخاصة على المجلس الرئاسي الجديد، ليس خيارا، وإنما ضرورة تفرضها طبيعة المعادلة السياسية اليمنية القائمة على التوافق بين مختلف المكونات الاجتماعية والحزبية والطائفية اليمنية، فإن التعامل مع المواجهات الفصائلية يجب أن يُؤخذ بجدية، حتى لا تتحول هذه المواجهات إلى مقدمة لتجديد الحرب الأهلية ومنع التوصل إلى تسوية سياسية، لا يملك اليمنيون ترف التراخي والمناورة في التوصل إليها .