عبدالرحمن الطريري يكتب:

من تقاوم حركة حماس؟

تأسست حركة المقاومة الإسلامية والتي تنادى اختصارا “حماس” في العام 1987، وتمثل حماس تقاطعات بين مشاريع عدة في المنطقة، فهي أولا المشروع الإيراني الثاني بعد حزب الله الذي أسس في العام 1982، حماس أسست لكي تنافس حركة فتح ومنظمة التحرير بشكل رئيسي كمرجعية مؤسساتية للشعب الفلسطيني.

أما حزب الله فأسس لينافس حركة أمل، والتي يأتي اسمها اختصارا لأفواج المقاومة اللبنانية، وبالتالي مثل حزب الله النفوذ الإيراني المحض، مقابل ما كانت تمثله أمل من تقاطع مع النظام السوري أكثر من الإيراني، ونازع حزب الله أمل كمرجعية سياسية واقتصادية للشيعة في لبنان، والذي بدأ بمعارك كبرى بين الطرفين، قبل أن يحل الوئام على مستوى الاستراتيجيات ويبقى الاختلاف على مستوى التفاصيل، وهو ما عززه بشكل كبير العقدان اللذان حكم فيهما بشار الأسد، والذي مثل بدوره تبعية لإيران عوضا عن التحالف مع إيران والذي كان نهج حافظ الأسد.

حماس على المستوى الأيديولوجي تمثل أيضا عقيدة الإخوان المسلمين، وهي الجماعة النشطة في المعارضة للدول الحدودية مع فلسطين، مصر، الأردن وسوريا، كما أنها أبرز حركات المعارضة في دول الخليج، والتي شاركت بعدة أشكال في محاولة زعزعة أمن دول الخليج، وما اتضح من تسريبات للقذافي مؤخرا، وما أورده محمد بن عبدالمطلب الهوني في كتابه “سيف الإسلام .. مكر السياسة وسخرية الأقدار” عن بعض قيادات التنظيم من الخليج يؤكد ذلك.

وقد كانت تلك القيادات أقنعته مسبقا بالتوسط عند والده لإخراج سجناء الإخوان، ثم عادوا بعد اندلاع الثورة، لإقناعه بأن يشكل حكومة من الإخوان المسلمين برئاسته، على أن يقوموا بدورهم بوأد الثورة.

وبالتالي فهم الارتباط الإيراني الإخواني في الحمض النووي الحمساوي، يفسر لنا الاستراتيجية الأكبر للحركة، فهي عمليا تمثل تهديدا استراتيجيا للأمن القومي المصري منذ عهد الرئيس محمد حسني مبارك، عبر الأنفاق التي تحفرها نحو سيناء، وتباشر إرسال الإرهابيين والأسلحة، بالرغم من أنها كانت دائما تذهب للجلوس على كل طاولة يدعو لها الجانب المصري إما للتهدئة بينهم وبين إسرائيل، أو لتوحيد الكلمة بين الفلسطينيين، ويجلسون مع اللواء الراحل عمرو سليمان مبتسمين ومقدمين الوعود، على أن يكون التزامهم بها مرتبطا بالمصلحة العليا لإيران وللتنظيم الدولي للإخوان المسلمين.

هذا ما فعلوه أيضا في اتفاق مكة، فبراير 2007، حين جمع الملك عبدالله، الفلسطينيين محاولا جمع كلمتهم، بعد الشرخ الذي سببته حركة حماس، بعد انقلابها في غزة، وما تبع ذلك من أعمال عنف تجاه عناصر فتح المقيمين في القطاع، حتى وصل القطاع إلى أن يكون أحد أكثر الأماكن معاناة اقتصادية في العالم.

بالطبع تحت مظلة الإخوان المسلمين ارتبطت الحركة بالنتيجة مع قطر وتركيا، ولهذا بعد أن طرد النظام السوري حركة حماس بعد قيام الثورة، لم يجد خالد مشعل مقرا أفضل من الدوحة، لتكون مقر الإقامة الجديدة، لرئيس المكتب السياسي للحركة.

والارتباط بقطر التي تنشغل منذ التسعينات بتحقيق دور يتجاوز وزنها الإقليمي، مستندة على احتياطيات كبيرة من الغاز، وعدد محدود من السكان، يدفع بالنتيجة إلى منازعة الدور السعودي والمصري في الإقليم، وبالتالي إجهاض أي مسعى سعودي أو مصري لإيجاد تسويات فلسطينية – فلسطينية، وهذا تكرر أيضا في الملف السوداني قبل تقسيم السودان، وتكرر أيضا في المشهد اللبناني، حين حاولت قطر جعل اتفاق الدوحة بديلا لاتفاق الطائف، وشيراتون الدوحة بديلا لانتركونتيننتال الطائف، لكن في نهاية الأمر بقي الطائف وتجاوز اللبنانيون الدوحة.

إلا أن اللافت أن العلاقة القطرية الحمساوية أفضت إلى علاقات إسرائيلية حمساوية، بمعنى آخر علاقة بين من تسمي نفسها حركة المقاومة الإسلامية، وبين من يفترض بأنه عدو خلقت الحركة من أجل مقاومته.

فقطر التي تقوم بتمويل الحركة، لا تمر أموالها ولا سفيرها دون ضوء أخضر من إسرائيل، بل إن اللافت أن رئيس الموساد حين زار الدوحة مطلع العام، كان طلبه الرئيسي أن تستمر قطر في دعم حماس، علما بأن الدوحة كانت قررت إيقاف الدعم نهاية مارس الماضي، نظرا للظروف الاقتصادية التي تعاني منها، منذ المقاطعة الرباعية العربية، وما مثلته العلاقة مع أردوغان من استنزاف مستمر لاقتصادها، واضطرارها إلى تسييل عدة أصول.

لكن يبدو أن إسرائيل لم تكتف بالعلاقات مع حماس، والتي تقدم منذ عقد ونصف العقد خدمة جليلة لإسرائيل ألا وهي تمزيق وحدة الصف الفلسطيني، وتعطي للمفاوض الإسرائيلي ذريعة مستمرة يستخدمها مع الأميركيين وغيرهم، بالقول إن الفلسطينيين غير مستعدين للسلام وليسوا على كلمة سواء.

فإسرائيل ذهبت أبعد من ذلك ويبدو أن هناك اختراقا كبيرا للحركة، ولعل ما يؤكد ذلك خبر هروب قائد في القوة البحرية التابعة لحركة حماس وبحوزته وثائق خاصة بالحركة، بعد اكتشاف تجسسه عليها من عام 2009.

بالإضافة إلى ما أعلنته داخلية حماس في قطاع غزة “اعتقال خلية من العملاء، تتكون من 16 عنصرا، أغلبهم من كتائب عزالدين القسام”، الجناح العسكري لحركة حماس، بتهمة التعامل والتخابر مع إسرائيل.

هذه ليست المرة الأولى التي تعلن فيها حماس عن اختراقات، واللافت أن هذا الاختراق عمره 11 عاما، ومن شخص مطلع على الكثير من المعلومات، وعلى الأرجح أنه سرب العديد منها لإسرائيل.

هذه الزوايا الثلاث لحماس، تجعلها عمليا تنظيما لخدمة الكيانات الأجنبية بالمنطقة، من إيران إلى تركيا وصولا إلى إسرائيل، لا تختلف في ذلك عن قطر، كلتاهما أداتان لأجندات غير عربية في المنطقة، حماس على مستوى التخريب، وقطر على مستوى الخزينة.