د. علوي عمر بن فريد يكتب لـ(اليوم الثامن):

عدن وحديث الذكريات وأيام الزمن الجميل (2)

في العصر خرجت مع ابن خالي  أحمد عبدالله بن فريد الذي كان يعمل في معسكر شامبيون لاين   إلى الطريق العام  الرئيسي القادم من مدينة الشيخ عثمان  ، أمام بوابة المعسكر ووقفنا بجوار الموقف the port ننتظر!!
الباصات المتجهة إلى خور مكسر – كريتر – أو المعلا – التواهي " وصعدنا الباص المتجه إلى كريتر وأخذ الكمساري مقابل تذكرة الشخص الواحد 4 آنات (عانات) – الأوتوبيس نظيف جدا وزي السائق والكمساري من اللون الكاكي المميز.. ومعظم الركاب مظهرهم الخارجي يشع نظافة.. ويرتدي معظمهم البنطلونات والقمصان.. والبعض باللباس الوطني  الفوطة والقميص  والعمامة ...وانطلق بنا الباص حول سور المعسكر المحاذي لشاطئ البحر  ثم دخلنا   حي خور مكسر وعبرنا  بجوار بوابة  المطار ثم مر وسط الشارع  بين مساكن الإنجليز ومدارسهم.. وخور مكسر من الأحياء الراقية جدا في البناء والشوارع والمساكن ولا يقف الأوتوبيس لكل من أشار له بيده.. بل له مواقف معروفة محدده  حسب اتجاهاته  المذكورة .
خور مكسر:
روى المؤرخون أن اسم مدينة "خور مكسر" اسم قديم ذكر قبل مئات السنين والخور كان مكسرا منقسما ، ولذلك سموه  خور مكسر،ويربط كلا من كريتر والمعلا والتواهي  والشيخ عثمان وهو مدخل مدينة عدن !!
كانت خور مكسر موقعا عسكريا للقوات البريطانية وشيدت فيه بريطانيا الثكنات العسكرية للضباط والجنود. بعد أن تحولت قيادة القوات الجوية سنة 1927م إلى عدن اهتمت بريطانيا بحي خور مكسر. وشيدت فيه مطارا جويا عسكريا وبعض المعسكرات والمباني لجنود القاعدة الجوية وبعد الحرب العالمية الثانية خططت خور مكسر تخطيطا عمرانيا حديثا وفق الطراز الإنجليزي وأمدته الحكومة بكافة الخدمات وجددت المطار العسكري وإلى جانبه شيد مطار خور مكسر المعروف الآن بمطار عدن الدولي ..وتبع ذلك بناء العديد من المنازل الخشبية التي تتكون بعضها من طابقين وبعضها الآخر من طابق واحد على النمط الهندسي الإنجليزي وبعض الفيلات الحديثة المكونة من طابقين  المطلية بالطلاء الأبيض ولذلك عرفت هذه الوحدات السكنية بالمدينة البيضاء !!
مستشفى الملكة:
وضعت الملكة إليزابيث الثانية ملكة بريطانيا حجر الأساس لهذا المستشفى في حي خور مكسر عند زيارتها لعدن في 27 أبريل عام 1954م، وتم افتتاحه في شهر أغسطس 1958م وكانت المرحلة الأولى لتشغيله سعة (265 سريرا) ثم 500 سرير في الستينات وبني على أحدث المواصفات والمقاييس العالمية في الجودة آنذاك وكان أول مستشفى أدخل فيه نظام التكييف المركزي في الجزيرة العربية والخليج ثم
واصل الأوتوبيس سيره ومر بجوار المستشفى ثم على كورنيش البحر المعروف بساحل أبين ثم مررنا بثانوية لطفي جعفر أمان ودخلنا إلى كريتر شارع البنوك – ثم شارع أروى وعبر بنا بجوار السينما الهندية – ثم توقف في محطته الأخيرة بالميدان بكريتر.
كريتر –مدينة عدن:
تعني "فوهة البركان" وأطلق عليها هذا الاسم بعد الاحتلال البريطاني، وهذه المدينة (carter) كريتر عبارة عن شبه جزيرة تبلغ مساحتها حوالي (200 كم مربع) تمتد كرأس صخري في مياه خليج عدن، وهي بمثابة بركان خامد مساحة امتداده في مياه خليج عدن حوالي (8,5) كم، ويربطها بالبر برزخ رملي يعرف ببرزخ (خور مكسر)، وتحيط بفوهة البركان سلسلة جبلية بركانية تكونت خلال الزمن الجيولوجي الثالث منذ تكون أخدود البحر الأحمر، وقد ساهمت في تشكيل تضاريس مدينة عدن وخليجها تلك السلسلة الجبلية المحيطة بها من جهة الشمال والغرب والجنوب الغربي تتفرع من جبل العر عمودها الفقري، وساعدها موقع مدينة كريتر الجغرافي وما وهبها الله من مميزات طبيعية على أن جعل مينائها أشهر وأهم المواني العالمية منذ القدم، وهذا الميناء هو الوحيد الذي يتميز بعمقه، وتحيط به الجبال الأمر الذي سهل للبواخر والمراكب من الرسو بأمان وحجبها من الرياح. ومن أهمية هذا الميناء أنه شريان حركة للتجارة العالمية عبر العصور تشكل تاريخ مدينة عدن، وظلت باستمرار محط أطماع الغزاة!!.
يقول الشاعر الأمير أحمد فضل القمندان في قصيدته (تاج شمسان) التي ذكرها وفاء لمدينة عدن قبل أكثر من نصف قرن، يقول فيها:
حياك يا عدن من منهل عذب للقاصدين حماك الله من وطن
يا دار أهله فيك الكرام لقد طبت وغنت لك الورقاء من فنن
إذا سرى من هوى حقات في عدن أحيا عليل الهوى شجوى وذكرني
أهل القطيع وأهل الزعفران وفي حافة حسين من أهل الفضل والفطن
أحبتي وأصحابي فذكرهم في يقظتي لا يفارقني ولا وسني
أبعث مزاحم حي العيدروس وصافح في الخساف وعانق ثم واحتضن
أسواق عدن:
سأخذكم الآن في جولة معنا في أسواق عدن زمان.. عبرنا إلى الرصيف واتجهنا بجوار العمارات المبنية بالحجارة البنية و السوداء في اتجاه فندق قصر الجزيرة الذي يقع على يسارنا عبرنا الساحة التي يطل عليها الفندق إلى محل بيع المسجلات والأجهزة الكهربائية.. دخلنا المحل التجاري الذي غصت رفوفه بالأجهزة: راديوهات – آلات تسجيل.. الخ.. كلها ماركات أوربية – جروندنج – فيلبس - نسأل عن الأسعار وهي رخيصة نسبيا لأن عدن كانت ميناء حرا لا ضرائب ولا رسوم على البضائع المستوردة.. سألنا البائع عن ثمن بعض الساعات السويسرية.. عرض علينا بضاعة يابانية منها  ساعة اسمها "سيكو" وسعرها رخيص ولم تكن معروفة تلك الأيام و رفضنا شرائها لأنها يابانية..كانت البضاعة اليابانية تعتبر جديدة في أسواق عدن لم تنل أي شهرة ,والإقبال فقط كان على الساعات السويسرية المعروفة مثل الرولكس المذهبة وكانت تباع ب1200شلن فقط !!
خرجنا من المتجر المذكور إلى الرصيف الذي يقع عبر الميدان ومشينا لقضاء الوقت والدليل وقائد الرحلة هو أحمد عبد الله ابن خالي.. وقفنا أمام محل ملبوسات رجالية اسمه "دنيا الأناقة" فيه أحدث الأزياء الأوربية كلها صناعات انجليزية وفرنسيه وهو أسم على مسمى يضم أفخر الملابس الرجالية الجاهزة والحديثة وأسعارها معقولة وفيها أشهر الماركات مثل : قمصان رجالية ماركة فان هاوزن وريل بروك والأقمشة الرجالية مثل : الموهير والترجال والأصواف بشتى أنواعها والأسعار في متناول الجميع .
ثم توجهنا إلى الساحة مرة أخرى في بداية شارع السوق الطويل ورائحة الفل والكادي والبخور العدني والعطور تنتشر روائحها الزكية  من حولنا 
على يسارنا في نهاية الميدان  .. قهوة زكو.. وقررنا الدخول لشرب الشاي العدني الشهير أحضر لنا الجرسون فنجانين من الشاي وخميرتين من فطائر عدن الشهية وكأسين من الماء البارد، المقهى والشارع مكتظا ن بالناس والسيارات الحديثة  التي تطلق أبواقها وتشق طريقها وسط الزحام البشري وصراخ الباعة المتجولين وهم ينادون: بان – هيس " وهي كلمة هندية .. وتعني بالعربية الماء البارد ويختلط صراخ هؤلاء مع باعة عصير الليمون وقد اتخذوا مكانا في زاوية الشارع مقابل القهوة.. النعمة والنظافة والملابس الأنيقة تبدو بارزة للعيان على رواد السوق.. رجالا.. ونساء.. وأطفالا .. سيارات .. فولكس فاجن..أوبل .. ومرسيدس.. أشكال ألوان إضافة إلى عربات الجاري المحملة بالبضائع والتي تجرها الجمال في الشارع من المستودعات إلى المحلات التجارية والى اللقاء في الحلقة الثالثة
د.علوي عمر بن فريد