طارق أبو السعد يكتب:
لقاء السيسي بممثلي القبائل الليبية.. أهم الرسائل
في خطوة لافتة، التقى الرئيس المصري صباح الخميس الماضي، بمشايخ وأعيان القبائل الممثلة لأطياف الشعب الليبي، في لقاء عقد بالعاصمة المصرية القاهرة تحت شعار "مصر وليبيا شعب واحد.. مصير واحد"، وذلك بعد دعوة مجلس النواب الليبي للقوات المسلحة المصرية للتدخل عسكرياً باعتبار ليبيا جزءاً من الأمن القومي المصري.
أثيرت تساؤلات عدّة حول طبيعة هذا اللقاء، منها ما يتعلق بالجهة التي اختارت أعضاء الوفد دون غيرهم، وشكّك البعض في أهمية اللقاء باعتباره مجرّد خطوة مكرّرة لا لزوم لها، بعد دعوة البرلمان وهو أعلى سلطة في البلاد وممثل عن الشعب الليبي بقبائله وعشائره، فما الحاجة لمثل هذا اللقاء؟
أهمية اللقاء ترجع إلى أنّه يسبغ شرعية شعبية على كافة الإجراءات المصرية
بخصوص الجهة التي اختارت الوفد، فهو المجلس الأعلى لقبائل وأعيان ليبيا بقيادة صالح الفاندي أحد حكماء "ترهونة"، وتكوّن وفد القبائل الليبية من حوالي 150 شخصية من كافة مدن وقبائل ليبيا في الشرق والغرب والشمال والجنوب، دون إقصاء لأحد خصوصاً قبائل المنطقة الغربية.
أمّا أهمية اللقاء، فتعود إلى أنّه يسبغ شرعية شعبية على كافة الإجراءات المصرية، فالتطورات المتسارعة والمتصاعدة والتي تشي بنذير حرب قادمة بين القوات المصرية والتركية على الأراضي الليبية، تحتاج إلى تكييف الوضع القانوني للتدخل، وميثاق الأمم المتحدة يؤكد في مادته الحادية والخمسين أنه يحقّ لأي دولة الدفاع عن نفسها في حال وجود تهديدات عند حدودها، ويحقّ لأي دولة التدخل إذا طلب منها ذلك عبر القنوات الرسمية.
ويمنح هذا "البند الأممي" الشرعية القانونية لمصر للتدخل في ليبيا، وخصوصاً أنّ السلطة الشرعية الوحيدة المنتخبة من قبل الشعب المتمثلة بمجلس النواب، دعت الجيش المصري لمواجهة النفوذ التركي في ليبيا، لما يمثله من تهديد مباشر لأمن البلدين.
من الواضح أنّ الرئيس المصري أراد أن يقطع الطريق على المشككين في نوايا القاهرة، والردّ على من يدّعي أنّ التدخل المصري سيتم دون إرادة الشعب الليبي، باعتبار التفويض الشعبي مصدراً للشرعية أقوى من أي مصدر، فإذا كانت تركيا تلوّح بمذكرة التفاهم التي أبرمت مع حكومة الوفاق المعترف بها أممياً وتزعم أنّ شرعية وجود القوات التركية بناء على دعوة الحكومة، فإنّ الدولة المصرية هي أيضاً حصلت على دعوة من البرلمان الليبي بالتدخل العسكري، فضلاً عن حصولها على تفويض شعبي ليبي يدعوها للتدخل.
استفادت القاهرة من هذا اللقاء بأن ألقت الكرة في ملعب حكومة الوفاق
استفادت القاهرة من هذا اللقاء بأن ألقت الكرة في ملعب حكومة الوفاق، فبعد دعوة الرئيس لوقف الاقتتال والعودة إلى مسار المفاوضات، مع حسم مسألة الميليشيات المسلحة، وأنّ الجهة الوحيدة التي يجب أن تحمل السلاح هي القوات المسلحة الوطنية، أصبح على فايز السراج العودة إلى المفاوضات وحلّ مسألة الميليشيات المسلحة، أو قبول دعوة رئيس البرلمان، عقيلة صالح، بإعادة تشكيل المجلس الرئاسي، وفي حال الرفض أو المماطلة يفقد شرعيته ويفقد صلاحيته كذلك.
تعود أهمية اللقاء كذلك إلى الرسائل التي حملها إلى جميع الأطراف، وكانت الرسالة الأولى للوسطاء تحثهم على التدخل وإنهاء الاحتقان التركي في ليبيا، فتأكيدات السيسي بأنّ الدولة المصرية ليس لها أي مواقف سلبية من قيادات المنطقة الغربية الليبية نقطة إيجابية يمكن أن تكون بداية لحوار جادٍّ ينهي الأزمة وينفي سوء النية عن الإدارة المصرية، ويبعد شبح الحرب، كذلك تشديده على أنّ الخط الأحمر (سرت والجفرة) دعوة لوقف القتال والعودة إلى مسار المفاوضات، يجب ألّا يُفهم على أنه دعوة لتقسيم ليبيا، وأنّ التوقف عند سرت كان لضرورة ميدانية للحفاظ على المنطقة الشرقية من الفوضى، التي تسببها الميليشيات المسلحة، خطوة نحو إيقاف التصعيد العسكري في ليبيا.
الرسالة الثانية للمجتمع الدولي، عندما أكد على أنه لا أطماع لمصر في ليبيا، ولا منافسة لأيّ جهة تعاقدت مع الدولة الليبية، وأنّ هدفه الأساسي هو استقرار الأوضاع في الجارة الغربية باعتبارها أحد محددات الأمن القومي المصري، وأنّ تغاضي المجتمع الدولي عن نقل المرتزقة من سوريا إلى ليبيا الذين يهدّدون دول الجوار هو جريمة لا يمكن السكوت عنها، مع التأكيد على قدرة الدولة المصرية على حسم المشهد العسكري في ليبيا بشكل سريع، وأنّ مصر لن تقف مكتوفة الأيدي في مواجهة أيّ تحركات تشكّل تهديداً مباشراً قوياً للأمن القومي العربي والإقليمي والدولي.
الرسالة الثالثة للمجتمع الليبي بكلّ مكوناته وأطيافه، عندما حدّد الرئيس المصري هدف الجهود المصرية في ليبيا وهو تفعيل الإرادة الحرة للشعب الليبي، وأنّ الدخول إلى ليبيا سيكون بطلب منه وتحت العلم الليبي وتحت إمرة القوات المسلحة العربية الليبية، وأنّ الخروج سيكون بأمر منهم أيضاً، مؤكداً على سيادة الدولة الليبية واستعداد بلاده لتدريب أبناء القبائل الليبية لبناء جيش وطني موحد، وأنّ هذا التدريب تحت مظلة الانتماء للوطن الليبي، بعيداً عن الإيديولوجية السياسية أو الحزبية أو الدينية.
الرسالة الرابعة لحكومة السراج وميليشياتها ولتركيا: إذا عاندتم وأصررتم على القتال، "فلدينا أقوى جيش في المنطقة ولا نقوم بغزو أحد"، والرئيس المصري هنا لا يُهدّد، ولكنّه يعلن الاستعداد للقتال.
الجيش المصري يحتل المركز التاسع عالمياً، يتألف من 440 ألف جندي، 480 ألفاً من أفراد الاحتياط ويمتلك 1054 طائرة حربية متنوعة، بينها 215 مقاتلة، و88 هجومية، و59 نقل عسكري، إضافة إلى طائرات التدريب والمهام الخاصة والمروحيات التي يصل عددها إلى 294 مروحية بينها 81 مروحية هجومية، بحسب "غلوبال فاير باور".
هل ستصل الرسائل بشكلها الصحيح ويتمّ وقف الحرب وإنهاء سيطرة الميليشيات واستعادة ليبيا لمؤسساتها الرسمية؟
كذلك تمتلك مصر أكثر من 4.2 آلاف دبّابة، وأكثر من 11700 مدرّعة، إضافة إلى أكثر من 2100 مدفع ميداني، وأكثر من 1100 مدفع ذاتي الحركة، ونحو 1100 راجمة صواريخ، أمّا قوة الجيش المصري البحرية، فتتكون من 7 فرقاطات، و7 طرادات، و45 زورق دورية، و31 كاسحة ألغام بحرية، إضافة إلى 8 غواصات بينها 3 غواصات هجومية.
وقد حلّ الجيش المصري في المركز الرابع عالمياً، في قوة الدبابات، والسادس عالمياً في العربات المدرّعة، والسادس عالمياً في المدفعية الذاتية، وحصد الجيش المصري نقاطاً مرتفعة في قوة قواعد الصواريخ، التي حلّت كذلك بالمرتبة السادسة عالمياً، أمّا في القوة البحرية، فقد حصل على تقييم مرتفع جداً في قوة الألغام والألغام البحرية، التي جاءت بالمركز الثاني عالمياً، بينما حصلت مصر على المركز الثالث عالمياً في تقييم حاملات الطائرات التابعة للجيش المصري.
فهل ستصل الرسائل بشكلها الصحيح ويتمّ وقف الحرب، وإنهاء سيطرة الميليشيات واستعادة ليبيا لمؤسساتها الرسمية وجمع الجيش الليبي في منظومة واحدة لا تنتمي إلا للقومية الليبية؟ من سينتصر: صوت العقل والعودة للمسار السلمي، أم صوت العناد والتصعيد العسكري؟ هذا ما ستسفر عنه الساعات القادمة.